لم أفاجأ برد السيدة ناهد عشرى، وزيرة القوى العاملة، على المقال الذى نشرته الأسبوع الماضى متناولاً فيه إخفاقها فى تحقيق الإنجازات التى كنا نتطلع إليها منذ توليها الوزارة، بل على العكس تماماً فقد زادنى هذا الرد يقيناً بأن المسألة بالنسبة لها لا تعدو كونها صياغة كلمات وعبارات من أجل تحسين الصورة.فقد كان من الأجدر بالوزيرة أن تقدم من البراهين ما يؤكد وجود تلك الإنجازات التى تتحدث عنها، ففى هذه الحالة كنت سأقف فى طليعة من يشيدون بهذه الإنجارات، ولكنها- للأسف الشديد- حولت الموضوع إلى الهجوم تارة والتلميح باتخاذ إجراءات قانونية تارة أخرى، وهو أمر أرفضه تماماً مع الاحترام الكامل للوزيرة التى أكن لشخصها كل تقدير واحترام بعيداً عن انتقادى لسياساتها فى التعامل مع قضايا العمال.
لقد أجهدت الوزيرة نفسها وأضاعت الكثير من وقتها فى صياغة ردها الذى أرسلته إلى رئيس تحرير جريدة «اليوم السابع» والذى تزيد عدد كلماته عن 1800 كلمة «تم نشرها بالكامل» وربما تكون أيضاً قد أضاعت وقت بعض القراء الذين تكلفوا عناء قراءة هذا الرد، على الرغم من أنه جاء مخيباً للآمال، حيث لم يكن سوى مجرد عبارات تحتمل أكثر من معنى وأرقام ربما لا يكون لها وجود أصلاً إلا فى ذهن كاتبها وربما تكون تختلف تماماً على أرض الواقع.. فما أسهل أن يعطى المرء لنفسه من المبررات ما تدفعه لكتابة كلمات وعبارات تظهره أمام الرأى العام وكأنه شخص بلا أخطاء أو أنه ملاك قادم من السماء! ولكن وللأسف الشديد فإننا ما إن ندخل فى صلب الموضوع ونقرأ ما به من فقرات نجدها كلاما عاما ولا يربط بينها سوى الرغبة العارمة فى تصحيح «الصورة» ولكن سرعان ما تتبخر تلك الكلمات وتتوه المعانى أمام الواقع المرير الذى يعيشه قطاع القوى العاملة فى الدولة فى ظل تولى ناهد عشرى لهذا المنصب رفيع المستوى، وإحقاقاً للحق فإنها ليست المسؤولة الوحيدة عن هذه المشكلات ولكنها مسؤولة أمام الجميع عن تلك الفترة التى تولت فيها المسؤولية، والتى كنا ننتظر منها أن تكون لها بصمة واضحة فى حل تلك المشكلات المزمنة.
بداية، أود التأكيد على أننى لم أكتب مقالى السابق مهاجماً الوزيرة على المستوى الشخصى بأى شكل من الأشكال فأنا لم أكن أعرفها من قبل على المستوى الشخصى، وبكل صراحة فأنا لا يسرنى لقاءها فى يوم من الأيام، حيث لم ولن أسعى إلى هذه «المعرفة» وذلك لسبب بسيط أن خلافى الأساسى معها يتمثل فى تلك الإخفاقات التى لحقت بالعمال وبهذا القطاع الحيوى المهم واحدة تلو الأخرى على مدى 30 عاماً فى هذا المجال منذ أن التحقت بالعمل فى هذا القطاع إلى أن أصبحت وزيرة للقوى العاملة فى حكومة المهندس إبراهيم محلب مطلع مارس 2014.
وهنا أود الإشارة إلى مسألة فى غاية الأهمية، وهى أننى لم أكتب مقالاً من قبل منتقداً أى مسؤول، إلا من أجل المصلحة العامة ومن أجل الدفاع عن حقوق المواطنين البسطاء الذين نراهم فى كثير من الأحيان «يذوقون المر» فى حياتهم بسبب تقصير بعض المسؤولين والوزراء الذين يتعاملون مع مناصبهم ومواقعهم القيادية من أجل «الوجاهة» الاجتماعية فقط.. وهو أسلوب ارتضيته لنفسى وقطعت عهداً أمام الله بألا أحيد عنه ما حييت.
أعود إلى الوزيرة ناهد عشرى وردها «المطول» فمنذ الوهلة الأولى أرادت الوزيرة أن تستخدم أسلوب الهجوم وهو أسلوب «سهل» يلجأ إليه عادة أصحاب الحجج الضعيفة والذين لم تعد «عقولهم» تفرق بين المصالح الشخصية والمصلحة العامة.. أما فحوى الرد فى حد ذاته فقد جاء عبارة عن كلام معاد ومكرر بعدة أساليب مختلفة من أجل كسب تعاطف القراء والظهور أمامهم بأنها «مغلوبة على أمرها» ومضطرة لسرد إنجازاتها من قبيل التذكير فقط.
وهنا أتساءل: طالما أن الوزيرة تتمتع بهذا الكم الهائل من الإنجازات فبماذا يمكن تفسير حالة الاحتقان التى تبدو عليها العلاقة التى تربط بين العمال من ناحية والوزيرة من ناحية أخرى؟ فهى تقول فى فقرة كاملة بالرد: «منذ أن شرفت بمسؤولية وزارة القوى العاملة والأجهزة فى مارس 2014 وحتى الآن، وأنا أعمل على إيجاد حلول جذرية لكل مشاكل وقضايا العمال التى تعرض علىّ، مستندة فى ذلك إلى خبرتى، التى استقيتها من عملى الميدانى واحتكاكى المباشر بالعمال وأصحاب الأعمال، حيث رأيت أن أولى الخطوات التى لابد من اتباعها هى تعديل أحكام قانون العمل الحالى بمشاركة أصحاب الأعمال والعمال، خاصة بعد أن سبق أن تم وضع مقترح تعديل لهذا القانون فى ظل الوزارة السابقة، ولم ينل التوافق المرجو» وهو ما يدفعنى للتساؤل مخاطبا العقل والمنطق: هل ذلك الكلام يرتقى لأن يكون دليلاً قوياً على تلك الإنجازات التى تتباهى بها الوزيرة حيث لم يخل الرد من عبارات الفخر والزهو والإحساس بالذات، فأى شخص يمكنه أن يقول عن نفسه هذا الكلام وأى وزير يمكنه أن يفخر بأنه يقوم بهذه الإنجازات الكبيرة.
أما بالنسة لهذا الكم الهائل من الأرقام والبيانات والإحصائيات التى ازدحم بها الرد فهو أمر لا معنى له إلا أنه جاء كمحاولة يائسة للخلط بين الأشياء وتقديمها فى صور مختلفة ومتنوعة، فلو أن هذه البيانات التى حرصت الوزيرة على أن تملأ بها ردها «المطول» حقيقية وموجودة بالفعل لكنا أمام وزيرة تعمل فى المدينة الفاضلة، بل قد يختلف الأمر تماماً بالنسبة لتلك الخلافات العمالية التى نراها الآن لا أول لها ولا آخر بسبب تلك السياسات التى تقوم بها الوزارة ويعترضون عليها بشدة معتبرين إياها سبباً رئيسياً فى إهدار حقوق العمال وسبباً قوياً فى حالة وجع القلوب التى يعيشونها، وأنها المصدر الرئيسى لـ«حرق الدم» الذى يشعر به أعداد كبيرة من العمال الذين تم حرمانهم من مصدر رزقهم دون أن يجدوا فى وزارة القوى العاملة الملاذ والمنقذ.
أنا لم أشعر بأى انزعاج من رد الوزيرة، فهو حق يكفله لها قانون سلطة الصحافة، كما تكفله لها كل الأعراف والتقاليد التى تحكم المهنة، على الرغم من أنها تجاهلت أبسط قواعد التعامل بين الناس، وهى أن من كان بيته من زجاج يجب عليه ألا يقذف أحداً بالحجارة. ولكن أكثر ما أزعجنى فى هذا الأمر هو الخلط الواضح بين الأوراق والرغبة العارمة من جانبها نحو محاولة إظهار الأمر باعتباره نوعا من التجنى على شخص الوزيرة، وهو أمر مخالف للحقيقة.. فقد نختلف أو نتفق مع الوزيرة ولكن هذا للمصلحة العامة، فلو كانت قد اقنعتنى بإنجازاتها لكنت من أشد المتحمسين لهذه الإنجازات طالما تصب فى نهاية الأمر فى مصلحة الوطن، وهو أمر ما كان يجب أن تغفله الوزيرة فى تعاملها مع المقال بل كان الأجدر بها وبمن أشار عليها بهذا الرد أن يعملا بالحكمة التى تقول «إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب» ولكن لأن الكلام لا رقيب عليه فقد جاء على هذا النحو من «الضعف» والافتقاد لأبسط قواعد الإقناع لدرجة أنه يمكن أن ينطبق عليه المثل القائل «تمخض الجمل فولد فأرا».
وإحقاقاً للحق فأنا لم أتوقف فى هذا الرد إلا أمام تلك الآية القرآنية الشريفة التى جاءت فى غير موضعها فى نهاية الرد للتلويح بأننى لست صادقاً فيما كتبته فى مقالى عن الوزيرة، فربما يكونون قد استشهدوا بتلك الأية للتأكيد على هذا المعنى، وربما أرادوا بها إعطاء صورة عن قوة إيمان الوزيرة و«رباطة جأشها»، ولكن نسى من كتب هذا الرد أن الاجتزاء فى الآيات القرآنية شىء معيب واقتطاع جزء من آية للتعبير عن معنى قد يكون بعيداً عن الحقيقة هو بمثابة جرم يجب ألا يقع فيه مسؤول كبير يشغل منصب وزير فى الدولة، ولكن ربما يشفع لها ولمن ربما يكون قد أشار عليها بكتابة جزء من الآية الشريفة فى هذا الرد أنه ربما يكون لا يعرف تفسير هذه الآية القرآنية، لذا فإننى أهمس فى أذن من كتب هذه الآية القرآنية فى ختام رد «الوزيرة» وأقول له، إن الله عز وجل يقول فى سورة الصف «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون» صدق الله العظيم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة