د. عمار على حسن

خرائط الدم والنار

الخميس، 11 ديسمبر 2014 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حين كانت مصر تعيش فى أتون الموجة الرابعة من الإرهاب، التى امتدت من 1988 إلى 1997، سعت إلى تكوين تحالفات أو تضامن دولى وإقليمى لمواجهة خطر الإرهاب الأسود، فدخلت فى اتفاقات دولية وشاركت بطريقة لافتة فى مؤتمرات وفعاليات حول الطرق المثلى لمواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة.
ولم يقتصر الأمر على هذا، بل سعت السلطة وقتها إلى عقد اتفاقيات قضائية وأمنية تتيح تبادل المعلومات والخبرات وتسليم المجرمين، سواء الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية أو المطلوبين للعدالة، وفى هذا الصدد وقعت مصر اتفاقيات للتعاون الأمنى مع تونس فى يناير 1994 ودولة الإمارات العربية المتحدة فى فبراير 2000، ومع رومانيا فى نوفمبر 1995 وبولندا فى أكتوبر 1996، وكذلك مع كل من المجر واليونان وإيطاليا، ومع باكستان فى مارس 1996.

أثمرت الجهود التى قامت بها مصر فى أواخر تسعينيات القرن المنصرم عن تسلمها عددا من أفراد الجماعات الإسلامية الراديكالية الهاربين فى الخارج، من بينهم خمسة عشر شخصا سلمتهم السعودية، واثنان من الإمارات، وثلاثة من أذربيجان، وسلمت كل من سوريا وجنوب أفريقيا والإكوادور 11 مطلوبا من أعضاء تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية، كما تسلمت مصر عددا آخر من بلغاريا وألبانيا، وسلمت كندا أحد العناصر المطلوبة من تنظيم الجهاد، وسلمت الأردن سبعة ينتمون إلى «الجماعة الإسلامية»، وكذلك فعلت السويد والنمسا لكن عملية تسلم مصر لهؤلاء المطلوبين لم تجر على المستوى المأمول، إذ لم تتسلم القاهرة على مدى ثلاث سنوات، امتدت من 1998 إلى 2001، من بين مائة وثمانين مطلوبا سوى ثلاثين فقط، فى مقدمتهم أحمد حسين عجيزة قائد «طلائع الفتح»، وأحمد سلامة مبروك عضو مجلس شورى «تنظيم الجهاد»، وعلى أبوالسعود أحد أبرز كوادر التنظيم نفسه، وسعيد سيد سلامة، المحسوب على «تنظيم القاعدة».

فالتحركات المصرية حيال دول أوروبا الغربية، فيما يخص مسألة مكافحة الإرهاب، لم تثمر شيئا ذا بال، فمقابل نجاح مصر، بمساعدة دول أخرى، فى منع عقد مؤتمر كان قادة «إسلاميو الخارج» المصريين يعتزمون عقده فى لندن فى سبتمبر عام 1996، ونجاحها فى إقناع سويسرا برفض ثلاثمائة وأربعة عشر طلب لجوء سياسى من بينها مائة طلب لإسلاميين مصريين، فشلت فى إقناع دول أوروبا الغربية بمبررات تسليم من لديها من «الإسلاميين المصريين»، المتهمين فى مصر بارتكاب جرائم، نظرًا لأن هذه الدول تذرعت بأن قوانينها تحظر تسليم مطلوبين إلى دول تطبق عقوبة الإعدام، كما أن محاكمة مدنيين أمام القضاء العسكرى، كما تفعل مصر، ترى هذه الدول أنه غير عادل، ولا يعتد به، علاوة على ذلك فإن منظمات حقوق الإنسان فى الدول الغربية عامة، كانت تنظر إلى من تطلبهم مصر على أنهم أشخاص مضطهدون بسبب أفكارهم وتوجهاتهم السياسية، وليس بوصفهم «مجرمين» تورطوا فى أعمال عنف مسلح ضد المجتمع والدولة، كما ترى السلطات المصرية.

وقد تشكلت، خلال هذه الفترة، بعض ملامح الموقف الأمريكى الراهن من قضية «الإرهاب»، التى اكتملت بعد حادث الحادى عشر من سبتمبر، الذى جعل الولايات المتحدة تدخل فى غمار مواجهة «الإرهاب» بكل قوتها، بعد تردد واستحياء فى التعامل مع هذه الظاهرة، كانت تتصف به كل المواقف الدولية تقريبا قبل الحدث المشار إليه سلفا، فإلقاء نظرة سريعة على الجهود الدولية المرتبطة بمكافحة ظاهرة الإرهاب، سواء فى صورها القانونية والاتفاقية الجماعية والميدانية الانفرادية، يلاحظ أن جل هذه الجهود اتخذ الطابع العلاجى، أى أن المكافحة تأتى وتنصب على ما بعد الحادث الإرهابى، وحتى تلك الجهود الضئيلة المرتبطة بالمعالجة الوقائية غالبا ما تقارب الظاهرة أمنيا.

وعقب حادث تفجير مركز التجارة العالمى فى فبراير 1993، أيقنت الولايات المتحدة أن احتفاظها بميزة تلافى أهوال الإرهاب فى جبهتها الداخلية لم يعد ممكنا، وأنها صارت هدفا للإرهابيين. وأدى الحادث إلى تزايد القلق فى صفوف الشعب الأمريكى ذاته، خاصة فى ضوء الحديث الذى ردده بعض المحللين السياسيين عن وجود «شبكة دولية لتنسيق نشاطات الجماعات الإسلامية» داخل الولايات المتحدة وعن الخطر الذى يمثله «الإسلام السياسى» على الأمن الأمريكى وعن «صدام الحضارات» الذى يجب على الولايات المتحدة أن تكون يقظة لتداعياته، الأمر الذى دفع السلطات الأمريكية إلى إصدار مرسوم شامل لمكافحة الإرهاب، بات قانونا عام 1996 بعد تصديق الرئيس بيل كلينتون عليه، يقضى باتخاذ تدابير احتياطية عدة، أتاح أحدها للحكومة الأمريكية أن تتخذ إجراءات الترحيل بحق الأجانب، الذين يشتبه فى تورطهم فى الإرهاب بالاستناد إلى مصادر سرية، ودون الاضطرار إلى الكشف عن مصادر المعلومات فى هذا الشأن، وأتاح المرسوم أيضا للحكومة الأمريكية أن تقوم بترحيل الأجانب الذين يثبت قيامهم بالتبرعات لصالح المنظمات التى تصنفها السلطات الأمريكية بأنها إرهابية.
وقد تم التعاطى مع الحادث، المشار إليه سلفا، دوليا، خاصة من قبل الأطراف المعنية فى منطقة الشرق الأوسط، ليأخذ الجدل حول الإرهاب «طابعا عالميا» أكثر جدية، ويتداخل مع أهداف سياسية محلية وإقليمية ودولية، اكتملت ملامحها بعد حادث الحادى عشر من سبتمبر، فبعض الأنظمة فى منطقة الشرق الأوسط، عمدت إلى الاستفادة من تفجير عام 1993، ووظفته فى حث الولايات المتحدة على مساندتها فى الصراع الذى كانت تخوضه تلك الدول ضد «الجماعات الإسلامية»، فالرئيس مبارك أعلن أنه كان من الممكن منع وقوع هذا الحادث لو أن المسؤولين الأمريكيين أنصتوا إلى تحذير مصر من وجود شبكة أصولية إسلامية على الأراضى الأمريكية، وطالب واشنطن بأن تلزم نفسها بمحاربة الإرهاب العالمى، أما إسرائيل فقد انتهزت الفرصة لتوغر صدر الولايات المتحدة ضد بعض المنظمات الإسلامية التى تناهضها، مثل «حزب الله» و«حماس» و«الجهاد الإسلامى»، وضد بعض الدول مثل إيران، وتطرح نفسها أمام الإدارة الأمريكية على أنها الطرف الذى يمكن أن يحمى المصالح الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط، التى تستهدفها هذه المنظمات.

وهذا التقارب الإسرائيلى الأمريكى وقتها فى محاربة «الجماعات الإسلامية» أسهم إلى حد ما فى الإسراع بتحول الجماعات الدينية المسلحة فى مصر وغيرها إلى استهداف المصالح الأمريكية، لأنه أوجد مسوغًا مقنعا لديهم فى الربط بين مهاجمة الولايات المتحدة وقضية الصراع العربى الإسرائيلى، أى أنه أسهم فى «تعولم» الحركة الإسلامية، لتصبح معادلة فى السياسة الدولية المعاصرة، استمرت فى السنوات اللاحقة حتى ظهرت ما تسمى الدولة الإسلامية فى بلاد العراق والشام «داعش» التى تعد الطور المتأخر من هذه النزعة العولمية للإرهاب والتطرف الدينى اتكاء على ما تفيد به التقارير الصحفية والمعلومات الاستخباراتية من أن داعش تضم فى صفوفها أناسا ينتمون إلى أجناس شتى، بمن فيهم أوروبيون أقحاح.

لكن بداية هذا التعولم كانت فى تنظيم الجهاد المصرى وهو ما سنتناوله فى مقال الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة