يحلم العرب أو كثير منهم بأن يأخذوا من أوروبا العجوز مثلاً، فهى رغم ما مر بها من عداوات وويلات على مدى حربين عالميتين إلا أنهم توحدوا من أجل أنفسهم، لم يغنوا للوحدة ولم يدبجوا الأشعار لها لكنهم فقط اتحدوا وصاروا قوة لا يستهان بها فى العالم، أما العرب فهم أمة الكلام فما أكثر حديثهم وأغانيهم وأشعارهم ومقالتهم عن الوحدة ولكنها أبدًا وقلما تتزحزح عن كونها مجرد فكرة حالمة لا وجود لها على أرض الواقع إلا فى إطار الكلام، والحديث عن اللغة المشتركة والهم الواحد والعدو المشترك والمصلحة المرتقبة كلها أحاديث حفظناها جيلا بعد جيل ولكن الأمر لم يتعد الكلام إلا فيما ندر. وربما نحن فى لحظة تاريخية ليست كمثلها فى التاريخ الحديث لحظة وهو ما يستدعى منا جميعًا كعرب أن نتحد لكى نبقى.. فقط لكى نبقى ويبقى لمن يأتى بعدنا ذكر.
كل هذا وأكثر دار فى عقلى وأنا أجلس فى دار العرض أتابع الفيلم السينمائى الإماراتى"من ألف إلى باء"، الفيلم الذى أخرجه وكتب قصته المخرج الشاب الإماراتى "على مصطفى"، وكتب له السيناريو المصريان "محمد حفظى وأشرف حمدى"، وهو إنتاج إمارتى سعودى مصرى لبنانى، شارك فى بطولته السورى "فادى رفاعى"، والسعودى "يوسف البترى"، والمصريون "شادى ألفونس ويسرا اللوزى ومها أبو عوف وخالد أبو النجا"، إذًا فنحن أخيرًا أمام منتج سينمائى عربى بالمعنى الحقيقى وتلك ربما تكون البداية، فالسينما هى اللغة المشتركة الأكيدة بين الشعوب والباقية والأكثر تأثيرًا، فهل نجح من ألف إلى باء فى أن يصنع بداية مبشرة أم أنه لن يتعدى تأثير أى أغنية غنيناها ثم تاهت بين أغانٍ أخرى؟
يحكى الفيلم عن ثلاثة نماذج من الشباب يعيشون فى أبو ظبى أحدهم سورى متزوج من مصرية والآخر سعودى والثالث مصرى، والثلاثة أصدقاء قرروا أن يجتمعوا فى رحلة برية إلى بيروت ليزوروا قبر صديقهم الرابع اللبنانى الذى قُتل فى غارة إسرائيلية على بيروت عام 2006، وتدور أحداث الفيلم فى نهاية عام 2011 أى بعد بداية أحداث ما يُطلق عليه "الربيع العربى".
تتقاطع حياة الشبان الثلاثة مع الأحداث التى تمر بالمنطقة فهم يمروا فى رحلتهم من السعودية إلى الأردن ثم سوريا، ليصلوا أخيرًا إلى بيروت ليقفوا أمام قبر صديقهم الذى نعرف أنه مسيحى، ويختم الفيلم الأحداث بأمل جديد فى عام جديد يحتفل فيه الأصدقاء، بعد رحلة على قدر شقائها لكنها حملت الكثير من الضحكات.
أقْيَم ما فى سيناريو هذا الفيلم هو بُعده عن الافتعال وقدرته على تجاوز الحرج وهو يصور الجنسيات العربية المختلفة ببعض سلبياتها حتى وهو يصور ردة فعل الشاب المصرى والفرق بينه وبين الآخر السعودى، حين يكتشفان أن الفتاتين اللتين يصاحبهما إسرائليتان، فالمصرى ابتعد خطوة والسعودى لم يفعلها ذاك أن المصرى رضع الخوف والحذر من كل ما يمت لإسرائيل بصلة أم السعودى فالأمر لديه مختلف لأنه نصف أيرلندى.
من ألف إلى باء قد لا يكون أقصى طموحاتنا فى الإنتاج العربى المشترك الحقيقى لكنه بالتأكيد سيسجل أنه الفيلم الحقيقى الأول الذى يحمل بصمة عربية مشتركة حقيقية.
من ألف إلى باء كان فيلم الافتتاح لمهرجان أبو ظبى، وعُرض فى مهرجان القاهرة، إلا أننى لا أرى فى عرضه داخل أروقة المهرجانات نجاحًا كافيًا يجب أن يفخر به صُنَاعه ويكتفوا بتصفيق جمهور محدود مهما كثر، بل يجب عرضه جماهيريا فى كثير من الدول العربية وبالتحديد مصر رغم أنى علمت من محمد حفظى أحد منتجيه وكاتبه، أنه لن يُعرض فى مصر خوفًا من الرقابة التى قد ترى فى بعض الكلمات تجاوزًا وهو خطيئة كبرى لو لم يصروا على عرضه جماهيريًا فى مصر ففى تصورى أن هذا فيلم سيجد جمهورا كبيرا ليؤازره حتى مع تنوع اللهجات فيه، فاللهجات العربية لم تعد صعبة على فهم الجمهور المصرى.
شادى ألفونس المصرى، ويوسف البترى السعودى، وشادى رفاعى السورى، أبطال هذا الفيلم، ثلاثة شبان موهوبين يستحقون أن يضحك ويبكى ويفكر معهم الجمهور المصرى وغيره من جماهير السينما العربية فى حالنا، وأن يحلموا بأن يحقق هؤلاء الشباب الحلم العربى دون أن يغنوا علينا أو لنا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة