تحتل مصر ضمن ريادتها فى المجالات الخطأ، مقدمة الدول التى تشهد أعلى معدل وفيات مترتبة على حوادث الطرق بمعدل 41.6 حالة لكل مائة ألف نسمة، طبقا لدراسة أعدتها منظمة الصحة العالمية منذ
عام 2012 وحتى 2014 شملت 178 بلدا، وتقدر إحصاءات مصرية متحفظة أن عدد من يسقطون قتلى فى حوادث الطرق بلغ 13ألف قتيل سنويا وما يقرب من 40 ألف مصاب، بينما يصل البعض بالتقديرات إلى 20 ألف قتيل، وهو أمر كاشف لأهمية الإنسان المصرى ومكانته لدى كل الحكومات المتعاقبة منذ 30 عاما على الأقل، يثور هذا الحديث كلما داهمنا حادث مفزع يحصد أرواح أبنائنا، وكان أحدث تلك الحوادث المفزعة ذلك الحادث الذى وقع بمحافظة البحيرة، قرب قرية أنور المفتى بمركز دمنهور حيث اصطدمت ناقلة وقود بأتوبيس مدارس، مما أودى بحياة 18 طفلا وإصابة 15 فى حادث ليس الأول ولا أظن أنه سيكون الأخير، فى بلد غابت عنه المساءلة عقودا طويلة حتى أنتجت ثورة تتعثر فى تحقيق أهدافها حتى الساعة، تلك الثورة التى كانت غضبا من ظواهر مماثلة عكست فساد واستبداد حكوماتنا، وكعادة كل
الحكومات السابقة عند كل حادث جلل تمتلئ وسائل الإعلام بخبراء المرور والطرق، الذين يقدمون الحلول التى طالما تقدموا بها لكل حكومة ولم تشق طريقها أبدا لحيز التنفيذ، وعندما نسأل ما الذى يحول دون تطبيق تلك التوصيات والحلول؟، تأتى الإجابة المكررة، لا توجد إرادة سياسية، بما يدعونا لسؤال أهم ماذا تعنى الإرادة السياسية؟ هل تعنى شخص رئيس الوزراء أم رئيس الجمهورية؟، وفى وضع كالذى نعيشه فى غياب برلمان يحاسب ويراقب، من يحقق فى كل تلك الجرائم ويحدد المسؤول عنها ويقدمه للعدالة؟، أركان تلك الجريمة أربعة عناصر، طريق ومركبة وسائق وقانون مرور، يتحدثون فجأة عن تطبيقه ثم تعديله ثم تطبيقه فى استمرار لمسلسل الفوضى العارمة التى تضرب البلاد منذ أعوام وعقود، بالعودة إلى أركان تلك الجريمة وأول المتهمين فيها وهو الطريق الذى ليست لدينا أوهام حول صلاحية إطلاق هذا
الاسم عليه، فكثير من الطرق فى مصر كانت ضحية إهمال طويل سواء على مستوى التصميم، الذى لم يراع الحد الأدنى من المواصفات القياسية فى إنشائه أو متابعة صيانته بأى شكل من الأشكال، إلى الحد الذى نسب فيه تصريح لوزير النقل فى التعقيب على حوادث مماثلة أشارت إلى أهمية صيانة الطرق وتحسين جودتها، قال فيه الوزير إن إصلاح الطرق وتسويتها أو صيانتها سيجعلها مغرية بزيادة السرعة وبالتالى تزيد الحوادث، وهو عذر أقبح من ذنب وإن صح هذا التصريح، فيمكننا إذن تبرير البلاعات المفتوحة بأنها تدعم خطة الدولة فى تنظيم الأسرة، كثير من طرقنا لا يصح إطلاق وصف طرق عليه، تلك المدقات التى هى مصائد موت يومية وأى حديث عن التعاطى مع ظاهرة حوادث الطرق لا يشتبك مع إصلاحها وإعدادها لتكون طرقا حقيقية، تتوفر لها معدلات الأمان هو درب من العبث.
أما العنصر الذى لا يقل أهمية فى مربع تلك الأزمة المركبة أو السيارة، سواء كانت سيارة ملاكى يقودها سائق يعلم أنه لا توجد رقابة مرورية، تمنعه من زيادة السرعة أو السير عكس الاتجاه أو التحلى بسلوكيات مستهترة أثناء القيادة تضييق المسافة بين الموت أو النجاة، أما الأتوبيس الذى يحمل أرواح تلاميذ أو عمالا أو حتى ركابا عاديين تركوا سلامتهم لشخص يعتقدون أنه مؤهل لتلك الأمانة، التى لم تؤهله لها دولة تبدو مؤسساتها غائبة فى كل شىء تقريبا، أما أداة القتل المسماة بالمقطورة أو ناقلة الوقود أو البضائع فلم تفلح الدولة حتى الآن فى التعامل معها بجدية، حيث تركت آلات القتل تلك تعيث فى الأرض فسادا دون رادع من خلق أو قانون أو ضمير، آخر تلك الحلقات قانون المرور الذى سمعنا فجأة عن تطبيقه ثم تعديله فى هبة موسمية مع كل كارثة تحدث، حيث أضحى هذا التفاعل ثابتا من ثوابت الإدارة المصرية، يا سادة كل يوم يتحفنا الخبراء بحلول خلاقة وناجزة، لكن لا يأخذ بها صانع القرار الذى يبدو غارقا فى عشرات الملفات التى يعدم فيها أهل الخبرة والقدرة الحقيقية، لا الجدل حول الحلول توقف ولا تلك الحوادث اليومية توقفت.
ويبقى الإنسان فى مصر أقل العوامل أهمية فى الحساب، بما ينسف الحديث حول أن الشعب هو السيد فى هذا البلد، فالشعب هو الضحية فى هذا البلد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة