نبيل شرف الدين

جمهور ثومة

الأحد، 09 نوفمبر 2014 03:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حين أشاهد حفلات كوكب الشرق لا أطرب فقط لأغنياتها التى جعلت عوام الناس يتذوقون «رباعيات الخيام» و«الأطلال» وقصائد كبار الشعراء، وارتقت بذوق أجيال وساهمت بصناعة وجدانه، لكن يستوقفنى مشهد جمهورها، فليس بينهن منتقبة ولا محجبة واحدة، ولا أشخاص بجلابيب قصيرة و«زبيبة»، لكنهم كانوا بمنتهى الأناقة والسلوك المتحضر، وبينهم ضباط يزهون بملابسهم الرسمية وبعض الأشقاء العرب.

وهنا أتساءل: هل كان هؤلاء فاسقين منحلين؟ والجواب طبعًا بالنفى، فقد ربوا أفضل الأبناء، وساهموا بالارتقاء بمؤسسات الوطن ومشروعاته القومية، واحتملوا بطيب خاطر أسوأ الظروف عقب هزيمة 1967 حتى انتصرنا بأكتوبر 1973.

كان «جمهور ثومة» يشمل أبناء الطبقة الوسطى كالأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات والضباط وغيرهم، وكانت حفلاتها تتسم بحالة وقار واحترام، فلا تسمع تعليقات سخيفة، ولا مشاجرات وحالات تحرش كالذى يحدث بحفلات المغنيين الحاليين، والسبب ببساطة أن نظامى الحكم بعهدى الملك فاروق والرئيس عبدالناصر حسما خيارتهما لصالح «مدنية الدولة» وتصديا بصلابة لمظاهر الرجعية، دون مزايدات على الإخوان الذين كانوا خارج المعادلة خلال العهدين، حتى أعادهم السادات «سامحه الله» ليستخدمهم ضد معارضيه فكان أول ضحاياهم.

أرصد حاليًا «مظاهر مزايدات» عبر وسائل الإعلام على أدبيات وسلوك جماعات «الإسلام السياسى» بالإفراط بمظاهر التدين الشكلية، واستدعاء الخطاب الدينى، ليكون طرفًا بمعركة حضارية وسياسية، ورغم اختراقات المؤسسة الدينية لصالح الإخوان والسلفيين، ما زالت الحكومة تراهن عليها بدلاً من تطهيرها، ولعل الوقائع التى رصدتها وسائل الإعلام تكشف حجم الاختراق، الذى أفسدته عمليات اختراق منظمة منذ نصف القرن.

المسألة بسيطة يحسمها خيار الحداثة ورعاية الفنون والآداب الراقية، بدلاً من المهاترات المحتدمة مع التيار السلفى المتعصب، الذى لا يمر يوم إلا ويطلق معركة مفتعلة حول سفاسف الأمور، بينما تتراجع المنظومة الأخلاقية اجتماعيًا بشكل واضح للعيان.

لابد أن تمضى «معركة مصر» المعاصرة على عدة مسارات متزامنة ومتوازية، سياسية وثقافية وفنية وحضارية وإعلامية وأمنية، لمعالجة «فيروسات التخلف» التى خربت الشخصية المصرية على مدار عقود، ونشرت الأمراض الاجتماعية رغم تنامى مظاهر التدين بالشارع دون مردود أخلاقى وسلوكى. لكن استدراجنا للمزايدات الدينية سيقودنا لإعادة تدوير مخلفات التاريخ والجغرافيا، ولدينا تجارب ناجحة لدول كالإمارات مثلاً، التى حسمت أمرها، وانفتحت على العالم وانحازت للحداثة، لتنتصر «مدنية الدولة» فليس بالأمن وحده رغم أهميته البالغة تؤسس وترسخ «الجمهورية الجديدة» لذلك فلنتبارى بإنتاج فنون وآداب راقية، لنستعيد مشهد «جمهور ثومة» بما يعنيه من رقى وتحضر.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة