محمد فودة

محمد فودة يكتب.. الدولة تظهر «العين الحمراء» لمرتكبى حوادث الطرق

السبت، 08 نوفمبر 2014 09:58 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يبدو أننا قد أصبح مكتوباً علينا أن نصحو كل يوم على حادث مؤلم أو على سماع خبر مفجع.. ويبدو أننا قد وصلنا إلى درجة الاعتياد على مثل هذه الأشياء الكئيبة، وأخص بالتحديد حوادث الطرق السريعة التى يصل عدد ضحاياها إلى أرقام مفجعة، وهى حوادث لم تشهد أى دولة فى العالم مثيل لها، فلو حدثت تلك النوعية من الحوادث المأساوية لكانت سبباً فى إقالة الحكومة بالكامل، أو أن تقوم الحكومة بتقديم استقالتها على الفور، حفاظا على ماء وجهها، وحتى تترك مكانها لمن هم أقدر منها على التعامل مع قضايا الجماهير بفاعلية أكثر، وبإجراءات يشعر بها المواطن ويلمسها بنفسه بعيدا عن الوعود والتصريحات البراقة.

والعجيب فى الأمر أنه وعقب كل حادث تنتقل الأجهزة الرسمية وكبار المسؤولين إلى مكان الحادث، ونسمع صراخا وأصواتاً تمتزج بالحزن الشديد على الضحايا الأبرياء الذين راحوا نتيجة سوء الطرق، والإهمال، ورعونة السائقين، ولم يخل الأمر من قرارات فورية بصرف تعويضات لأسر الضحايا، سواء كانوا من القتلى أو المصابين.

ولكن ماذا بعد.. هل يتوقف الأمر عند حد الغضب والتعبير عن الحزن الشديد بهذه القرارات التى غالبا لا تتحقق، وهل يتوقف الأمر عند حد التأثر من المنظر البشع الذى شاهده ملايين المواطنين الذين شاهدوا الحادث عبر شاشات الفضائيات، فتخرج الحكومة علينا وهى تعلن الحرب على الإهمال، وتظهر «العين الحمراء» للمخالفين لقانون المرور، والمستهترين بأرواح الأبرياء على الطرق السريعة.
يا سادة.. إننا نعيش بالفعل حالة حزن جماعى سببه حادث دمنهور المأساوى، حادث جعل الناس تنتظر من الدولة الكثير من القرارات التى تضمن ردع هؤلاء المستهترين، والذين يتسببون فى حصد أرواح الأبرياء، لذا فإن تفعيل القرار بقانون الذى أصدره الرئيس السيسى عقب الحادث سيكون بكل تأكيد بمثابة صمام الأمان طالما تم تنفيذه على أكمل وجه. فكلنا على يقين تام بأنه حينما تكشر الدولة عن أنيابها تختفى تماما جميع مظاهر الفوضى والتسيب والإهمال وتهرب الفئران إلى جحورها خوفاً من العصا الغليظة.

نعم نحن فى حاجة ضرورية إلى هذه العصا الغليظة لملاحقة المستهترين والذين لا يراعون الله فى مصر.. وهل كنا ننتظر حدوث مثل تلك الحوادث المؤلمة حتى تصدر قرارات بتفعيل القانون الذى لم نسمع عنه إلا فى أوقات الكوارث؟! أخشى أن تكون المسألة مجرد انفعال لحظى، وسرعان ما تهدأ ثورة الغضب التى تجتاح الشارع المصرى، فقد سمعنا من قبل عن قرارات بتغليظ العقوبة، وقرارات بتشديد الرقابة على الحركة المرورية على الطرق السريعة، وسمعنا عن إجراءات رادعة للسائق الذى يثبت تعاطيه المخدرات أثناء السير فى الطرق السريعة، ولكن لم نر أى نتائج ملموسة فى هذا الشأن.. فالحوادث لا تزال مستمرة، والضحايا يتساقطون يوماً بعد الآخر وبأعداد كبيرة جداً، والسائقون لا يزالون يتعاطون المخدرات «عينى عينك» فى النهار وفى الليل على حد سواء، لدرجة أن مصر وللأسف الشديد تعد من أسوأ 10 دول فى حوادث الطرق على مستوى العالم.

وهنا تحضرنى نتائج دراسة علمية حول حالة المرور فى مصر وعلى وجه الخصوص على الطرق السريعة، فقد كشفت تلك الدراسة أن %30 من السائقين يتعاطون منبهات، وبخاصة سائقو المقطورات التى تعد سببا رئيسيا وراء زيادة حوادث الطرق, حيث هناك أكثر من 800 ألف سيارة نقل ما بين لورى ومقطورة يضطر معظم سائقيها للقيادة عشر ساعات متواصلة لتسديد أقساطها، مما يدفعهم لتناول المنبهات التى تؤدى إلى قلة التركيز وبالتالى فقد السيطرة.

والحق يقال فإن أى قرارات تتخذها الحكومة بتغليظ العقوبة كفيلة بوقف هذا النزيف للدماء التى تسيل على الطرق طالما تم تطبيقها تطبيقاً حقيقياً، ولكن وللأسف الشديد فإن فقدان الثقة فى قرارات الحكومة التى تأتى فى الغالب كرد فعل وعقب وقوع الحوادث المأساوية يجعل تلك القرارات تذهب فى مهب الريح، وربما يكون مصيرها هو نفس مصير القرارات السابقة التى كنا نسمع عنها فى أعقاب كل حادث، فلم يعد أحد يصدق مثل هذه القرارات الانفعالية.

ولكننا الآن وبعد هذا الحادث المؤلم فى دمنهور فإننا أمام قرار بقانون أصدره الرئيس السيسى بحكم اختصاصاته فى التشريع، فى ظل عدم وجود برلمان، وهو ما يجعل الأمر مختلفاً تماماً، وهو أمر يجب على كل مؤسسات الدولة العمل على تنفيذ ما جاء فيه من بنود فى غاية الأهمية، فقد أصدر الرئيس قراراً بقانون بتعديل بعض أحكام قانون المرور الذى يجب علينا تنفيذه حرفياً، لأنه وكما جاء فى البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية أنه يأتى فى ضوء ما تلاحظ فى الآونة الأخيرة من تزايد ملموس فى كل من معدلات حوادث الطرق، وما نتج عنها من حالات وفاة وإصابة. ومن منطلق حرصى على البحث عن حلول عملية وحلول حاسمة لتلك المشكلة التى أصبحت تمثل شبحا مخيفاً للمواطنين الذين يضطرون للسفر بشكل يومى على الطرق السريعة، فإننى ألقى الضوء على نتائج دراسة علمية مهمة أجريت على حوادث الطرق بمصر فى الفترة الأخيرة، ليس هذا وحسب بل أطالب جهات الاختصاص بالنظر فى تلك النتائج ووضعها موضع الاعتبار، فقد أشارت تلك الدراسة إلى أن أسباب حوادث الطرق تعود %80 منها إلى سلوكيات قائدى المركبات، و%12 منها إلى عيوب بالمركبة، و1 إلى %2 عوامل جوية، و%5 عيوب هندسية لشبكة الطرق، كما أن سلوكيات قائدى السيارات السلبية تتمثل فى الرعونة والإهمال والاستهتار واللامبالاة أثناء القيادة، بالإضافة إلى عدم المعرفة وعدم الخبرة، وكذلك عدم توافر النواحى النفسية واللياقة البدنية والصحية بوجه عام، والتى يجب أن تتوافر أثناء الجلوس أمام عجلة القيادة. وللأسف الشديد فإن كل هذه الأسباب تسير فى إطار عدم تفعيل القوانين المرورية الخاصة بالسرعات المقررة على شبكة الطرق وقواعد وآداب المرور وقائد سيارة غير مقدر للمسؤولية، وقانون غائب، ورجل مرور غير موجود، والمحصلة دماء على الأسفلت, ولا شك أن الإهمال والنقل الثقيل يتسببان فى تدمير الطبقة الأسفلتية، مما يؤدى أيضا إلى وقوع الكثير من الحوادث، وتعطيل وتوقف حركة المرور، إضافة إلى الخسائر المادية العالية كنتيجة لأعمال تدمير الطريق، وما يلازمها من إعادة الرصف والصيانة من وقت لآخر.. ولكن الشارع المصرى مازال ينطق بالفوضى والإهمال، مع الاحترام الكامل لكل الجهود المبذولة، لكن الإحساس والشعور العام لدى مستخدمى الطرق أن شبكة الطرق فى مصر، والقائمين على تنظيم الحركة المرورية كمنظومة كاملة لا ترتقى لمستوى الجهود المبذولة الآن فى المضى قدما نحو النهوض بالمجتمع نهضة حقيقية، من خلال مشروعات عملاقة يتم تنفيذها على قد وساق.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة