حالة من الكآبة والتجهم صارت ملحوظة بشكل واضح بين المصريين والمصريات، كمية من النكد و(التكشير) صارت تطفو على المشهد وبدأ كثير من الناس يركنون إليها بدعوى تثاقل الهموم وتعقد المشاكل التى نمر بها على مختلف الأصعدة سواء كانت شخصية أو عامة. والحقيقة أن الأمور معقدة بالفعل والمشاكل لا يمكن إنكارها وأعباء الحياة فعلا قاسية لكن هل هذا مبرر كافٍ لدوام التجهم والعبوس والإغراق فى النكد والهموم؟ هل الحل هو التلبس بنمط الشخصية المكشرة مكفهرة الوجه عابسة المحيا مقطبة الجبين؟ وهل الاستسلام لتلك المشاعر وإظهارها بشكل دائم سيؤدى إلى تغيير أو إصلاح؟ أعتقد أن تلك الأسئلة تحتاج كثير من (المكشرين) إلى طرحها على أنفسهم.
على صعيد آخر يظن البعض أن المهابة تكمن فى العبوس ويعتقدون أن الوقار يظهر فى كمِّ التجاعيد التى ستظهر على جبينه كلما قطبه أكثر وأكثر ويتصورون أن الحشمة والمكانة إنما تنال بكآبة السمت وصرامة الوجه التى تبعث برسالة حازمة إلى من يتعاملون معهم مفادها أنهم أناس مهمومون ومنشغلون بعظائم الأمور والويل الويل لمن تجرأ على المزاح معهم أو فكر مجرد تفكير أن يخفف من توتر سمتهم وعبوس وجوههم، وهم واهمون فى ذلك فلا المكانة تنال بالعبوس ولا التكشير دليل الجدية والوقار ولا التجهم يفرج الهموم أو يحل المشكلات.
لقد كان النبى محمد صلى الله عليه وسلم أكثر الناس وقارا وأعظمهم مهابة وكان من شدة مهابته لا يستطيع أصحابه أن يُحدُّوا النظر إليه طويلا ولكنه رغم تلك المهابة والوقار كان بشوشا طلق الوجه وكان يأمر بذلك ويستحبه وكان ينهى عن احتقار المعروف ولو كان هذا المعروف طلاقة وجهك حين يقابل المرء أخاه وكان يحض على التبسم ويبين مثوبته وأن البسمة فى دين الإسلام تعد صدقة وطاعة وقربى، وكان يتبسم، كان يتبسم كما تبسم من قبله من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم حتى أن القرآن ذكر شيئا من تبسمهم كما فى قوله تعالى عن سيدنا سليمان عليه السلام: «فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى وَالِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ» تبسم نبى الله سليمان وتبسم نبينا عليه أزكى الصلاة والسلام، رغم الهموم والآلام والأحزان كان يتبسم.. رغم الانشغالات والمسؤوليات والمهام الجسام كان يتبسم.. رغم التعقيدات والمؤامرات والصراعات التى كان يواجهها فإنه ظل حتى النهاية يتبسم. إنه من أوذى فى الله حين لم يؤذ أحد وأُخيف فى الله حين لم يخف أحد وهو من فى حياته مات جُل أبنائه وبناته ورحلت عن الدنيا أحب زوجاته وكان يمر به البلاء تلو البلاء والمسؤوليات الجسام ورغم كل ذلك كان يتبسم وكان يمزح ولا يحدث إلا صدقا، وكان يلاعب أطفاله وأطفال غيره، وكان يسابق زوجه ويلاطفها، وكان يمازح الفقراء والبسطاء من أصحابه ويتبسط إليهم وكانوا يتضاحكون بعد صلاة الصبح وهو جالس بينهم يتبسم. كل ذلك وغيره مما لا يتسع المقال لذكره من مواطن تلطفه ومزاحه وتبسمه لم ينل من هيبته صلى الله عليه وسلم ولم يسبب تقصيرا فى مسؤولياته أو واجباته ولم يضاعف مشكلاته أو يعقد من همومه وابتلاءاته. فقل لى بربك أيها العبوس (المكشر) هل أنت أفضل منه أو أعظم هيبة؟ هل همومك أكثر؟ هل مسؤولياتك أضخم؟ هل آلامك وبلاؤك أشد من بلائه؟ وهل تظن أنك بعبوسك تنال وقارا لم ينله؟ أم أنك يا عزيزى تخشى على وجهك إن تبسمت أن يتشقق؟ صدقنى لن يتشقق، بل سيشرق ويضىء ولن ينفر غيرك بل سيبشر ويستبشر به من حولك.. فيا صديقى تبسم.. فمن هو خير منى ومنك.. تبسم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة