هناك أربع حالات لكيفية هروب ثلاثة من رموز الجماعات الإسلامية المصرية المتطرفة فى الخارج، الأول هو أيمن الظواهرى، والثانى محمد عاطف، الشهير باسم أبوحفص المصرى الذى تولى قيادة الجناح العسكرى لتنظيم القاعدة عقب غرق سلفه على الرشيدى، الشهير بأبوعبيدة البنشيرى، والثالث هو طلعت فؤاد قاسم، أحد أعضاء مجلس شورى الجماعة الإسلامية، والذى اختفى فى كرواتيا عام 1995، واسمه الحركى أبوطلال القاسمى، والرابع هو أحمد إبراهيم النجار الذى تم إعدامه عام 2000 على ذمة قضية «العائدون من ألبانيا»، وقادت اعترافاته إلى معلومات مهمة حول نشاط تنظيم الجهاد فى الخارج.
فالأول يقول: «غادرت مصر بمعاونة كثير من أنصار الحركة الإسلامية، وكان خروجى صدمة للحكومة، حيث بدا الأمر قانونيًا تمامًا، ويومًا ما قد نستطيع أن نروى هذه الوقائع. وقد رحلت فى عام 1985، ومررت بعدة بلدان، حتى وصلت إلى باكستان، حيث عملت جراحًا لمعالجة الجرحى والمهاجرين الأفغان».
ويوضح منتصر الزيات ما ذكره الظواهرى قائلًا: «حين أراد الظواهرى السفر خارج البلاد اصطدم بمعارضة أمنية، ولم يستطع الحصول على تصريح العمل، وهو المسوغ الذى يسمح له بمغادرة المطار، ويستلزم الحصول عليه موافقة الجهات الأمنية. وقد لجأ الظواهرى إلى حيلة تكشف عن دهائه وأتقانه التمويه، فقدم جواز سفره إلى إحدى شركات السياحة للحصول عن طريقها على تأشيرة دخول لدولة تونس ضمن فوج سياحى، وساعده على الخروج من المطار ضمن هذا الفوج السياحى تشابه فى الأسماء. ووصل فعلا الظواهرى إلى تونس سائحًا، وغادرها سريعًا إلى جدة، حيث عمل لأشهر وجيزة فى مستوصف ابن النفيس، قبل أن يمهد المجال لدخوله باكستان، ومنها إلى أرض الجهاد فى أفغانستان». وهذه الواقعة تظهر كيفية تحايل الظواهرى على القانون، وتبين وسيلة أخرى من الوسائل التى استخدمها أفراد الجماعات الإسلامية الراديكالية فى الخروج من مصر.
أما طلعت فؤاد قاسم فيقول: «كنت عضوًا فى الجماعة الإسلامية، واعتقلت فى سبتمبر 1981 ضمن قرارات التحفظ التى أصدرها السادات، ووقع حادث اغتياله، ثم أحداث أسيوط أثناء وجودى داخل السجن، ومع ذلك فوجئت بوجود اسمى ضمن قائمة المتهمين، وصدر ضدى حكم بالسجن لمدة ست سنوات قضيتها، وبعد ثلاثة أيام على خروجى من السجن، ومن البلاد أيضًا، اعتقلت مجددًا، وقضيت بضعة أشهر، ثم يسر الله لى الهرب من السجن ومن البلاد أيضًا، وذهبت إلى باكستان». ورغم أن طلعت فؤاد قاسم لم يذكر الطريق الذى سلكه فى رحلة هروبه على وجه الدقة، فإنه يستشف من أقواله أنه سلك الطريق المعتاد وهو «القاهرة - جدة - بيشاور»، حيث قال: «لقد حصلنا على مساعدات أثناء سفرنا لأفغانستان، فالدعوة للمشاركة فى الجهاد الأفغانى كانت فى أوجها، وشارك عدد من المحسنين فى تسفير الناس، وتم توفير تذاكر الطيران، وكذلك أقيمت أماكن ضيافة للشباب فى بيشاور لاستقبالهم». وقد سلك محمد شوقى الإسلامبولى، الشقيق الأكبر لخالد الإسلامبولى، الذى قاد المجموعة التى اغتالت الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الطريق نفسه، وكذلك كل من عبدالآخر حماد، وخالد حنفى، وأسامة رشدى، وجميعهم من الكوادر القيادية فى «الجماعة الإسلامية».
أما محمد عاطف الذى لقى مصرعه خلال هجوم أمريكى على كابول فى نوفمبر 2001، فقد فر من مصر بعد خمس سنوات قضاها فى السجن، حيث خرج إلى ليبيا، ومنها إلى المملكة العربية السعودية، ثم اتجه إلى أفغانستان، وتزوج من باكستانية فى بيشاور، وورد اسمه لدى السلطات المصرية كمتهم خامس فى تنظيم «العائدون من أفغانستان»، وقضى بإعدامه غيابيًا. وبالنسبة لرفاعى أحمد طه، وطلعت ياسين همام فقد وصلا إلى أفغانستان عن طريق السودان عام 1989، أى عقب قيام الثورة الإسلامية للإنقاذ التى تعاونت مع الجماعات الإسلامية الراديكالية فى مصر، وسهلت لهم سبل الهروب والإقامة والتنقل.
وبالنسبة للرابع فإنه سلك طريقًا مغايرًا، حيث هرب من مصر عام 1993 بجواز سفر مزور بعد أن انتحل اسمًا وهميًا، هو عبدالرحيم محمد حسين، وركب إلى نويبع، ومنها إلى العاصمة الأردنية عمان، وهناك انتظر- بناء على ترتيبات سابقة- اتصالًا هاتفيًا من صنعاء، قاده إلى اليمن، حيث انتظره مندوب عن تنظيم الجهاد بالمطار، واصطحبه إلى منطقة تسمى السواد فى العاصمة اليمنية، ليستقر فى بيت خاص بشباب الجماعة الذين التحق الكثيرون منهم بأيمن الظواهرى فى أفغانستان بعد أن تمكنت حركة طالبان الأصولية المتطرفة من الاستيلاء على الحكم.
وعلى وجه العموم، هناك عدة ملاحظات عامة على النقطة الخاصة بـ«موجات هجرة الراديكاليين الإسلاميين المصريين»، يمكن ذكرها على النحو التالى:
-1 رغم اقتصار جميع الدراسات والتقارير التى تناولت هجرة الجماعات الإسلامية الراديكالية المصرية إلى أفغانستان على تتبع نشاط أفراد جماعتين، هما «الجماعة الإسلامية» و«الجهاد»، باعتبارهما أكبر الجماعات الراديكالية، وأكثرها حركية، وأغزرها هجرة، فإن هناك دلائل على أن بعض المنتمين إلى «الجماعات الإسلامية الهامشية»، وكثيرًا من «اللامنتمين» توجهوا إلى أفغانستان. فعلى سبيل المثال، نجد أن بعض أفراد «تنظيم السمنى»، قد قرروا الذهاب إلى أفغانستان للتدرب على السلاح، وكذلك فعل بعض أتباع «تنظيم السماوية» و«الشوقيون»، وغيرهما من التنظيمات الهامشية.
-2 من الواضح أن أفراد هذه الجماعات قد حصلوا على تسهيلات كبيرة من بعض دول الجوار الإقليمى لمصر، من جهة، ومن أفراد داخل مصر، من جهة ثانية، بما ساعدهم على استخدام وسائل عدة للخروج من مصر، تراوحت بين التحايل والهروب، مرورًا بالتزوير وغيره.
-3 انعكست مشاركة الجماعات الإسلامية الراديكالية المصرية على أدائها، حيث تمكنت من تكوين كوادر مدربة على القتال، وامتلكت قدرة على التخطيط المحكم، وجمع المعلومات عن الأهداف المراد مهاجمتها، وعن «مسرح العمليات»، واكتسبت مهارة إجراء الاتصالات الداخلية والخارجية على أعلى مستوى، واستطاعت أن تطور من الإمكانات التنظيمية، وقد ظهر هذا فى العمليات التى قامت بها «طلائع الفتح»، وكذلك أفراد «الجماعة الإسلامية» داخل مصر خلال عقد التسعينيات.
-4 حتى هذه المرحلة لم يكن أى من «إسلاميى الخارج» قد تخلى عن هدفه الرئيسى، وهو الاستيلاء على السلطة فى مصر، ولم يظهر أحد أى رغبة فى إرجاء هذا الهدف، أو التخلى عن السعى لتحقيقه، ومن ثم اتسمت العمليات الإرهابية التى قام بها المصريون من «الأفغان العرب» بالطابع المحلى، حيث استهداف مسؤولين مصريين، وضرب السياحة فى مصر، وتفجير بعض الأماكن العامة داخل البلاد، ومنذ عام 1997 حدث تحول كبير فى هذا التوجه بالنسبة لتنظيم الجهاد، الأمر الذى سيتم تناوله فى موضع مقال لاحق.
ونكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى
د. عمار على حسن
خرائط الدم والنار... طريق المتطرفين المصريين من «القاعدة» إلى «داعش» (5)
الأربعاء، 05 نوفمبر 2014 10:51 م
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة