د. عمار على حسن

خرائط الدم والنار

الأربعاء، 26 نوفمبر 2014 11:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بدا واضحا لدى قطاع من الباحثين المختصين بدراسة الجماعات والتنظيمات الدينية المتطرفة من ناحية، ورجال الأمن من ناحية ثانية، أن هناك شواهد عديدة على أن الراديكاليين المصريين يتلقون دعما ماليا من الخارج «وهناك دلائل على أن دولا عربية وإسلامية تساهم فى تمويل هذه الجماعات بطرق مباشرة مثل السودان وباكستان، هذا بالإضافة إلى دور المراكز الإسلامية بأوروبا والولايات المتحدة التى يشرف على البعض منها أعضاء للجماعة الإسلامية.. كما توجد دلائل أخرى على أن أشخاصا أثرياء من البلدان العربية تساند ماليا هذه الجماعات، سواء بطرق مباشرة أو غير مباشرة عن طريق إتاحة فرص العمل لأعضائها فى بلدان الخليج».

وقد سلك تنظيم الجهاد الطريق نفسه، حيث أظهرت التحقيقات التى أجرتها السلطات المصرية عام 1998 مع المتهمين فى قضية «العائدون من ألبانيا» أن أيمن الظواهرى قد زار الولايات المتحدة عام 1995، وأقام فى ولاية كاليفورنيا، وتردد على مسجد النور فى منطقة سانتا كلارا، والتقى هناك خالد أبوالدهب، وهو أمريكى من أصل مصرى عوقب بالسجن خمسة عشر عاما فى القضية المذكورة سلفا، وجال معه فى بعض المدن، منها لوس أنجلوس، لجمع تبرعات تم استغلالها فى تمويل أنشطة تنظيم الجهاد.
لكن اتهام إيران بتقديم دعم مادى إلى الراديكاليين الإسلاميين المصريين لم يقطع به وقتها المحايدون، ولم تظهر أدلة ملموسة عليه، حتى وقت قريب. وكان القول بأن إيران تستضيف محمد شوقى الإسلامبولى يلاقى شكوكا، رغم وجاهته وقربه من المنطق، نظرا لأن من كان يحميه داخل أفغانستان وهو حكمتيار على علاقة قوية بإيران، كما أنه أخو خالد الإسلامبولى، الذى يحظى لدى التيار المحافظ فى إيران بمكانة ملموسة لدرجة أن أحد شوارع طهران يسمى باسمه، لأنه اغتال الرئيس السادات، صديق شاه إيران محمد رضا بهلوى وعدو الثورة الإسلامية الإيرانية. لكن شهادة عبد الفتاح فهمى، أحد أبرز العائدين من أفغانستان وصاحب العلاقات الواسعة بالراديكاليين الإسلاميين المصريين وغيرهم فى الخارج، سعت إلى البرهنة على أن هناك تيارا داخل إيران كان يدعم «إسلاميو الخارج»، حيث قال: «كان هناك قسم داخل إيران يرى القيام باستغلال حركات التحرر فى تدعيم مرتكزات الثورة ومنها فتح خطوط اتصال للضغط على دول مثل مصر. وكان قائد هذا الجناح المتشدد مهدى هاشمى، وبعد إعدامه تولى آية الله صادقى جناح دعم حركات التحرر وتمويلها.. وهذا الجناح لا مانع عنده من استضافة المعارضين ودعمهم ومدهم بالأموال.. والظواهرى كان حريصا على اللقاء مع مندوب المخابرات الإيرانية فى بيشاور إيريابور بحى ناصر باغ، ومعهما قنصل المدينة روحى صفت وأحمد حسين عجيزة، أحد أبرز المقربين للظواهرى، ليستفيد من هذا الوضع».

وعموما فإن التشكيك فى الدور الإيرانى لا ينفى تأثر الجماعات الراديكالية الإسلامية فى مصر بالثورة الإيرانية، ففضلا على أن هذه الثورة شجعت جميع الحركات الإسلامية الأصولية فى العالم فإن «النموذج الإيرانى» فى التهيئة والتخطيط للثورة كان يروق لقادة «الجماعة الإسلامية». فقد تم تهريب شرائط مسجلة إلى صعيد مصر، تحتوى على محاضرات للشيخ عمر عبد الرحمن يدعو فيها لقلب نظام الحكم، وعودة الخلافة الإسلامية. ويعد هذا التوجه جزءا من خطة عامة للأصولية الإسلامية، فى سعيها للتغلغل إلى المجتمع المصرى، من خلال شرائط الكاسيت والكتيبات الصغيرة، المطبوعة بأناقة والتى تأتى من الخارج وتوزع على المساجد، وتباع على أرصفة الشوارع. وفى هذا السياق تم القبض على شابين، سودانى وأفغانى، فى مطلع شهر فبراير عام 1993، بحوزتهما ألفا شريط كاسيت، تتضمن خطبا لأشخاص غير معروفين. وقد اعترفا أنهما سبق أن أدخلا إلى البلاد من قبل مائة ألف شريط من هذا النوع، تم توزيعها على المدارس والمساجد فى المناطق العشوائية.

وعلى العكس من ذلك كانت هناك أدلة دامغة على اتهام السودان بدعم الجماعات المتطرفة فى مصر، وأثبتت السنوات اللاحقة صدق هذا الاتهام. فقد بات من المعروف لدى الجميع أن أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى قد أقاما فى السودان لسنوات، قبل أن ينتقلا إلى أفغانستان مرة أخرى، حين استولت حركة طالبان المتشددة على الحكم عام 1996.

معنى هذا أن التواجد الكثيف للجماعات الإسلامية الراديكالية المصرية اقتصر على السودان واليمن، فى حين اندست عناصر من هذه الجماعات فى كل من العراق والأردن وبعض دول الخليج العربى، وحصل آخرون على حق اللجوء السياسى فى أوروبا، وذهب البعض إلى «البؤر الملتهبة»، التى يخوض فيها «إسلاميون» أو مسلمون قتالا ضد الحكومة المركزية، مثل ما هو الحال فى الشيشان ومن قبلها البوسنة والهرسك، ثم كوسوفو، وطاجيكستان، والفلبين، حيث تخوض «الحركة الإسلامية» هناك معركة منذ عدة سنوات ضد حكومة مانيلا. وإذا كانت هناك دلائل عديدة وقوية على أن الراديكاليين الإسلاميين المصريين فى الخارج قد تحركوا باتجاه الشيشان والبوسنة وكوسوفا وطاجيكستان، فإن هذا يبدد غرابة الحديث عن تحركهم إلى الفلبين. ففى عام 1997 نشرت الصحف خبرا قصيرا، لكنه ذو مغزى، مفاده أن شخصا يحمل جواز سفر مصريا قد لقى مصرعه فى الفلبين على أيدى قوات الأمن هناك، وتبين أنه ينتمى إلى «الجماعة الإسلامية»، وكان يشارك فى الحرب التى تخوضها جبهة «مورو» الإسلامية، ضد الحكومة.
وبانتشارهم فى دول عديدة اندلعت المواجهة بين «الأفغان المصريين» والحكومة المصرية. ففى منتصف عام 1992 بدأت رحلة تعقب هذه العناصر، ففى السادس والعشرين من يونيو فى العام المذكور تم القبض على سبعة أفراد عائدين من أفغانستان ينتمون إلى تنظيم الجهاد، وفى العاشر من نوفمبر فى العام نفسه، تم القبض على «تنظيم» يقوده أربعة ممن تلقوا تدريباتهم فى أفغانستان.

ثم توالت سلسلة سقوط هذه العناصر فى أيدى رجال الأمن، وبعضهم قام بتسليم نفسه طواعية. وبالتوازى مع ذلك تسارعت وتيرة العنف المسلح الذى مارسته الجماعات الراديكالية ضد الدولة والمجتمع فى مصر. وقد كانت أغلب هذه العمليات تتم بناء على تخطيط «إسلاميى الخارج»، حيث دفع تنظيم الجهاد ما أطلق عليهم «طلائع الفتح» للقيام بهذه العمليات، التى امتدت إلى محاولة اغتيال مسؤولين ورجال أمن كبار وضرب السياحة. وفعل قياديو «الجماعة الإسلامية» فى الخارج الشىء نفسه. واستمر هذا الوضع حتى آخر العمليات الإرهابية الكبرى التى قامت بها هاتان الجماعتان، وهى مذبحة الأقصر، التى وقعت فى السابع عشر من نوفمبر عام 1997 وراح ضحيتها ثمانية وخمسون سائحا أجنبيا وستة مصريين، حيث عثر فى مكان الحادث على بيان تضمن إشارة واضحة إلى أن هذه العملية تمت تلبية لأوامر من مصطفى حمزة، الذى كان يعتقد وقتها أنه موجود فى أفغانستان، فقد جاء فى البيان: «لبيك.. هانحن قد لبينا النداء، واستجبنا لأمرك.. فأمرك مطاع».

أما فى الخارج، وهو ما يهمنا فى هذا المقام، فقد «شهد عام 1995 وقوع أربع عمليات عنف كبرى خارج الأراضى المصرية كان لها تأثيرات كبيرة على مجمل الصراع بين الجماعات والنظام السياسى فى مصر، فضلا على دلالاتها المهمة على صعيد ذلك الصراع، وعلى صعيد تطور هذه الجماعات. وهذه العمليات هى اغتيال الملحق التجارى المصرى فى سويسرا فى شهر يناير، ومحاولة اغتيال الرئيس حسنى مبارك بأديس أبابا فى شهر يونيو، وإطلاق النار على موظفة دبلوماسية فى مدريد فى شهر أغسطس، وتفجير السفارة المصرية فى باكستان.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة