أنهيت عملى واتجهت لسيارتى للعودة لمنزلى، حين رأيت مشهدًا استوقفنى لرجل يبدو بالعقد الخامس، يرتدى ملابس أنيقة، لكنه يمسك سكينًا حادة ليتعمد إتلاف دهان سيارات حديثة ويتلفت حوله، ثم يعود لمواصلة تشويه السيارات، وعندما اقترب من سيارتى سارعت لمنعه، حينئذ أشهر سكينة بوجهى ليهددنى، واستغرق المشهد دقائق بينما أسأله خلال محاولته الهروب: لماذا تتعمد إتلاف سيارات الناس؟
قال بنبرة تنضح بالحقد: هؤلاء «حفنة لصوص» يقتنون سيارات بمئات الآلاف، وهناك فقراء لا يجدون قوت أطفالهم ولا ثمن الدواء، وذاب فى ضجيج المدينة الصاخبة.
واقعة أخرى حين توقفت أمام كشك لشراء زجاجة مياه، وإذا بأحد «مراهقى الشوارع» يختطف هاتفى من سيارتى ويهرب أمام عشرات الناس، الذين راح بعضهم يضحكون بهستيرية، وآخرون يضربون كفًا بكف، ويحوقلون بمرارة، ويطيبون خاطرى مطالبين إياى بحمد الله.
الواقعة الثالثة حدثت عبر شبكات التواصل الاجتماعى بالإنترنت، وبطلها شباب يعرفوننى وأعرفهم ويسألوننى عما إذا كانت لدّى معلومات عن شخصية شاب لعب أدوارًا سياسية مختلفة منذ 25 يناير حتى استقر مقامه منحازًا للمسار السياسى الجديد عقب 30 يونيو، وحينما طالبتهم بتجاوز مواقفه السابقة بعدما عاد لحضن مؤيدى «الجمهورية الجديدة» خاصة أننا نتأهب للانتخابات البرلمانية، لكنهم أكدوا قيامهم بتشكيل «لجان إلكترونية» لفضح من وصفوهم بالمتحولين، وأمضيت ساعات لإقناعهم بخطورة تفتيت «البيت المدنى» بحروب داخلية عبثية، بينما يتأهب الإخوان والسلفيون الموالون للجماعة للتسلل للبرلمان، لكن جهودى باءت بالفشل، وتمسك هؤلاء الشباب بمواقفهم واشتعلت شبكات التواصل بحروب الاغتيال المعنوى لمن يصفونهم بالمتحولين.
ربطت الوقائع السابقة والمشاجرات المتفشية بالشارع، سواء بين المارة وقادة السيارات لأتفه الأسباب، سعيًا لفهم دوافع انتشار مشاعر السخط والكراهية، رغم أن المنطق يفترض العكس، بضرورة تكاتف المصريين لمواجهة الإرهاب الإجرامى، لكن يبدو أنه من سمات «مراحل التحول» العميقة أنها تفرز أسوأ مشاعرنا، بعد عقود من الكبت السياسى، لهذا تتفشى ممارسات «التكفير والتخوين» بالشارع ووسائل الإعلام.
بتقديرى ليس كافيًا تطبيق قوانين مُعطلة وأخرى تطبق بانتقائية لمحاصرة «ثقافة الأذى» فالأمر يتطلب معالجاتٍ سياسيةً وإعلاميةً، وحوارات اجتماعية تتسم بالمكاشفة لاستيعاب الاستقطاب الحاد، الذى يدفعنا لتصفية خلافاتنا بالعنف اللفظى والبدنى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة