د. عمار على حسن

خرائط الدم والنار

الأربعاء، 19 نوفمبر 2014 11:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى المحيط الإقليمى لمصر برز كل من اليمن والسودان كمأوى للمصريين المتطرفين العائدين من أفغانستان، الذين لم تقبل الدولة دخولهم خوفا من تأثير خبرتهم فى ممارسة العنف والإرهاب. ففى اليمن «أقيمت لهم معسكرات، أبرزها معسكر المراقشة، وبيوت ضيافة فى المنطقة الصحراوية بالقرب من صنعاء.. وتمتعوا بنفوذ قوى فى هذه المنطقة لوجود طارق الفضلى، نجل ناصر الفضلى، آخر سلاطين قبائل المراقشة العائد مع الأفغان العرب بعد مشاركته فى الجهاد الأفغانى». كما يوجد فى اليمن ما يسمى «جيش عدن» الذى اتهمته واشنطن بالولاء لأسامة بن لادن.

وقد قادت هذه الأوضاع بعد حدث الحادى عشر من سبتمبر 2001 الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش إلى التحذير من أن «يتحول اليمن إلى أفغانستان أخرى» لكن السلطات اليمنية تؤكد أن «تنظيم القاعدة غير موجود فى اليمن ولا حتى مجموعة متعاطفة مع القاعدة.. وإنما هناك عناصر ممن كانوا فى أفغانستان أو ممن كانت لهم علاقة معرفة أو صلة بعناصر من تنظيم القاعدة أثناء تواجدهم فى أفغانستان، وهؤلاء تم إيقافهم بمجرد عودتهم من أفغانستان إلى اليمن، وهم متحفظ عليهم فى السجن». لكن فى جميع الأحوال فإن التركيبة الاجتماعية اليمنية، فضلا على الطبيعة الجغرافية المعقدة ورواسب الحرب الأهلية اليمنية التى اندلعت عام 1994، تجعل من الصعب على السلطة المركزية أن تسيطر على الأوضاع تماما فى البلاد، ومن ثم وجد «الأفغان العرب» فى اليمن مكانا آمنا نسبيا.

أما بالنسبة للسودان فقد اتهمته مصر على لسان الرئيس حسنى مبارك نفسه بأنه كان «يوفر مراكز التدريب للمتطرفين للقيام بأعمال إرهابية ضد مصر، ومصر أرسلت صور السبع عشرة قاعدة لتدريب الإرهابيين».. فضلا على المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس مبارك فى أديس أبابا فى شهر يونيو عام 1995، فقد كانت هناك أكثر من واقعة أظهرت مدى تورط السودان فى إيواء «الأفغان المصريين»، نذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، ما حدث فى يناير عام 1996 حيث اعتقلت أجهزة الأمن المصرية أعضاء من تنظيم الجهاد حاولوا التسلل إلى مصر عبر حدود السودان، وضبطت معهم ثمانية صناديق ذخيرة. ثم ما حدث فى 26/11/1996، حيث قضت المحكمة العسكرية بأسيوط بأحكام، تراوحت بين الأشغال الشاقة المؤبدة والأشغال عشر سنوات على عشرة من أفراد الجماعات الإسلامية، بينهم سودانيان، وكانت التهمة التسلل من السودان بغرض القيام بـ«تفجيرات واغتيالات واعتداءات».وهناك واقعة ثالثة، تسبق هاتين الواقعتين حدثت عقب قيام «ثورة الإنقاذ الإسلامية» فى السودان بخمسة عشر شهرا فقط، تتمثل فى تقرير نسب إلى قوات حرس الحدود المصرية يذكر أنه «فى شهر نوفمبر عام 1990 تم إحباط محاولة لاختراق الحدود الجنوبية بالسلاح، وضبطت 183 بندقية آلية، و235 خزنة سلاح، و961 طلقة ذخيرة تقدر بحوالى مليون جنيه، وتم ضبط عربة «تويوتا هايلوكس» موديل 1990، بها أسلحة آلية وذخائر مهربة عبر المسالك والوديان الجبلية بالصحراء بمنطقة حوطين على الحدود الجنوبية وبلغ عددها 92 بندقية آلية و132 خزنة و506 طلقات. وفى اليوم التالى تمكنت قوات حرس الحدود من ضبط أعداد مماثلة فى منطقة وادى شعيت بالصحراء الشرقية، على حدود السودان، حيث بلغ عددها 91 بندقية آلية و103 خزائن و455 طلقة».

وعلى وجه العموم فإن السلطات المصرية بدأت منذ عام 1992 تتحدث عن وجود «لجنة ارتباط عليا تشرف على الجماعات الإسلامية المتطرفة فى العالم العربى، مهمتها دعم نشاطات أعضاء هذه الجماعات المنتشرين فى دول عربية مثل مصر والجزائر وتونس، وتضم هذه اللجنة ممثلين عن حسن الترابى زعيم الجبهة القومية الإسلامية فى السودان، وراشد الغنوشى زعيم حركة النهضة فى تونس، وعباسى مدنى ورفاقه زعماء الجبهة الإسلامية للإنقاذ فى الجزائر وحركة «حماس» الفلسطينية، وتنظيم الجهاد فى مصر. وتنسق هذه اللجنة أعمالها مع بعض المسؤولين فى إيران.. وقد تبين أن هذه اللجنة تقود تنظيما أصوليا دوليا يوازى نشاطه التنظيم العالمى للإخوان المسلمين».

وتتابعت التصريحات التى جاءت على ألسنة مسؤولين مصريين، وتناقلتها وسائل الإعلام، حول هذا الاتهام. فقد أعلن مسؤول أمنى رفيع المستوى أن «الأجهزة الأمنية لديها معلومات عن تلقى الجماعات المتطرفة تدريبات ومعونات من إيران والسودان».

ويشار فى هذا إلى ما أعلن فى منتصف يوليو عام 1988، حيث ضبطت قوات الأمن تنظيما مكونا من تسعة وعشرين فردا، قيل إن إيران تموله. وقبل ذلك أعلنت قوات الأمن، أثناء قيامها بالبحث عن مرتكبى محاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق حسن أبوباشا، أنها ضبطت تنظيما سريا مكونا من سبعة وثلاثين فردا تموله إيران». وقد اعتادت الصحف المصرية منذ اندلاع العنف بين «الجماعات الإسلامية» المتطرفة والحكومة أن تستضيف بعض رموز المعارضة السياسية الإيرانية فى الخارج، ليتحدثوا عن «دعم إيرانى للتطرف الإسلامى» منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، التى سعت فى البداية إلى تصديرها إلى دول الجوار الإقليمى لإيران، ومنها مصر.

وبالتوازى مع هذا ارتفعت نبرة حديث المسؤولين السياسيين والأمنيين فى مصر عن «التمويل الخارجى»، الذى تتلقاه الجماعات الإسلامية المتطرفة، الأمر الذى عبر عنه وزير الداخلية المصرى الأسبق محمد عبدالحليم موسى بقوله: «نجحنا فى وقف تمويل الجماعات المتطرفة من الخارج فلجأوا إلى مهاجمة محلات الصاغة». وبدورها اهتمت وسائل الإعلام المصرية بهذه المسألة، فعالجتها على أكثر من مستوى، من بينها إجراء حوارات صحفية مع بعض أفراد هذه الجماعات. وقد اعترف أحدهم بالفعل أن «التمويل يتم بمعرفة أمراء الجماعة الذين يقومون بإغداق الأموال على التنظيم، ولا نعرف من مصدرها إلا القليل، وهو الذى يتم جمعه من أفراد الجماعة وهو اشتراك رمزى لا يتعدى خمسة جنيهات فى الشهر للشخص الواحد، أو جمع الأموال من أثرياء القرى بعد فرض مبلغ معين على كل شخص، ولكن هذا لا يساوى إلا القليل من الأموال المجهولة التى كانت تصرف على التنظيم».

وحاول أحد كوادر الجماعة الإسلامية أن يوضح ما غمض فى الاعتراف السابق فقال: «الجماعة تأتى فلوسها من التبرعات بالمساجد وتبرعات أخرى منظمة، ولا نقول اشتراكات من أعضائها.. أما عن تمويل الجناح العسكرى فنحن أنفسنا أعضاء الجماعة لا نعرف كيف يتم ذلك». وقد وصل الأمر بالبعض إلى محاولة معرفة حجم تمويل الجماعات والتنظيمات الإرهابية فى مصر، وهو ما يوضحه الجدول التالى، الذى أورده الأستاذ عبدالقادر شهيب فى كتاب له عنوانه «ممولو الإرهاب»، وأسند هذا إلى معلومات موثقة عن تمويل الإرهاب حصل عليها من مصادر حكومية فى عام 1993:

أوجــه الإنفـاق القيمة بالمليون جنيه المصرى

مرتبات شهرية لـ«المصريين الأفغان» أثناء التدريب
3.3
تكاليف سفر وعودة وتدريب لـ «المصريين الأفغان»
25
قيمة أسلحة مضبوطة فى 18 شهرا
3
تكاليف عمليات إرهابية عام 1993
12.3
تبرعات تم جمعها داخل مصر
15

لكن هذه الأرقام سرعان ما تضاعفت فى السنوات التالية، مع توحش الإرهاب فى موجته الخامسة التى استمرت حتى حادث الأقصر الأليم الذى وقع فى عام 1997 وأودى بحياة 58 سائحا.
«ونكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى»








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة