محمد فودة

محمد فودة يكتب.. المشروع اللوجيستى مهدد بالفشل والدولة «نائمة» فى العسل!

الأربعاء، 12 نوفمبر 2014 07:19 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ليس عيباً أن نخطئ فكل ابن آدم خطّاء.. ولكن العيب كل العيب أن نظل نخطئ ونتمادى فى تصرفاتنا ولا نعترف بأخطائنا التى ربما تكون قاتلة فى كثير من الأحيان، أو حتى نحاول أن نصلح من هذه الأخطاء بقدر استطاعتنا.

لقد تبادر هذا الأمر إلى ذهنى وأنا أتابع عن كثب ما أثير مؤخرا حول تصريحات الدكتور خالد حنفى، وزير التموين والتجارة الداخلية، بشأن المشروع اللوجيستى العالمى المعروف بـ«مشروع تخزين وتجارة الحبوب والبذور» فى دمياط، وذلك لتحويلها إلى مركز عالمى يستهدف تخزين 8 ملايين طن من البذور والحبوب الخاصة بالقمح والزيوت والسلع التموينية.

فالوزير الذى أكنّ لشخصه كل تقدير واحترام قد فاجأ الجميع بهذا المشروع وجعل الدولة تتحمس له، بل ووصل الأمر إلى أن تطل علينا الحكومة بتصريحات على لسان رئيسها المهندس إبراهيم محلب تقول فيها، إن هذا المشروع لا يقل فى أهميته عن المشروع القومى لإنشاء قناة السويس الجديدة أو مشروع توشكى، وبناء عليه فقد أصبح فى غمضة عين مشروعاً قومياً يضعه الرئيس عبدالفتاح السيسى ضمن مشروعاته القومية الكبرى، ليس هذا وحسب بل إنه يوجه أيضاً بالإسراع فى تنفيذه.

وهنا تكمن الخطورة، فالدولة تعاملت مع المشروع باعتباره من المشروعات القومية الكبرى التى يجرى العمل فى تنفيذها الآن على قدم وساق، ولكن هل تمت دراسة المشروع دراسة متأنية قبل أن يصبح هكذا ملء السمع والأبصار؟ وهل أجهد الوزير نفسه ولو للحظات وأسند فكرة المشروع إلى نخبة من المتخصصين والخبراء فى هذا المجال لدراسته جيداً من كل جوانبه لضمان توافر عناصر نجاحه، والتأكد من أنه ملائم من النواحى الفنية من أجل الوصول إلى الأهداف المرجوة منه؟

فقد فوجئت بأن هناك دراسات أجرتها مؤسسات دولية ومحلية حول المدن الساحلية تشير إلى مسألة فى غاية الخطورة وهى أن عددا ليس قليلا من المدن الساحلية، ومن بينها مدينة دمياط مهددة بالغرق خلال 15 عاماً قادمة بحكم التغيرات المناخية، وأتوقف هنا أمام ما أعلنته اللجنة الحكومية الدولية المعنية بالتغيرات المناخية بالأمم المتحدة، حيث انتهت وبما لا يدع مجالاً للشك إلى أن هناك تغيرات مناخية سيئة متمثلة فى فيضانات وأعاصير وارتفاع ملحوظ فى منسوب البحر يهدد عدة دول فى السنوات المقبلة ابتداء من 2030، وللأسف الشديد فإن تلك التغيرات المناخية تضع مصر أمام كوارث بيئية خطيرة وقد يؤدى ارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط إلى اختفاء أماكن ومناطق ساحلية فى دلتا نهر النيل نتيجة ذوبان الثلوج فى القطبين الشمالى والجنوبى والذى يأتى كنتيجة تلقائية لظاهرة الاحتباس الحرارى.

والمثير للدهشة فى هذا الأمر ويدفعنى إلى التساؤل عن أسباب تجاهل تلك المعلومات الخطيرة حول المشروع، أن البيانات المأخوذة من 6 شواطئ فى مصر أثبتت أنه خلال الفترة من 1930 وحتى 1981 حدث ارتفاع ملحوظ فى منسوب المياه الذى ارتفع من 11 إلى 35 سنتيمتراً، وذلك فى مناطق رشيد ودمياط على شاطئ البحر المتوسط، وهو ما كان سبباً فى ظهور بعض الأصوات المحذرة من النتائج السلبية، والتى من بينها أن إقامة أى مشروعات على شواطئ الموانئ، مثل الصوامع ستتأثر بالأملاح والرطوبة، وتؤثر على السلع المخزنة، وهو ما يعنى فى النهاية أن المشروع اللوجيستى العالمى ربما يكون مهدداً أيضا بالفشل الذريع على الرغم من أن تكلفته المبدئية تبلغ قيمتها 15 مليار جنيه، كما ستبلغ فى نهايته 50 مليار جنيه.

واللافت للنظر أن هناك أصواتا عدة كانت قد كشفت النقاب عن تلك المسألة التى أراها فى غاية الخطورة، وعلى الرغم من ذلك فما تزال تصريحات الدكتور خالد حنفى، وزير التموين والتجارة الداخلية، مستمرة وما يزال الحديث عن هذا المشروع وغيره من المشروعات يحتل مساحات كبيرة فى وسائل الإعلام المختلفة وكأن الحديث عن مشروعات عملاقة هو بمثابة الورقة الرابحة التى يستخدمها الوزير من أجل ترسيخ قواعده والحفاظ على «كرسى الوزارة» لأطول فترة ممكنة ضارباً عرض الحائط بأن هذه التصريحات تستفز المواطنين وتحرج الحكومة بل وتحرج الرئيس أيضاً حينما يفاجأ المواطن بأنها مجرد تصريحات للشو الإعلامى فى وقت يقوم فيه الرئيس بمشروعات حقيقية يلمسها الجميع على أرض الواقع، نعم الرئيس الآن فى حالة حركة دائمة من أجل اختصار الوقت وإنجاز الكثير من المشروعات القومية كما أنه لا يهدأ ليل نهار وهو يخطو خطوات كبيرة من أجل تحقيق نهضة حقيقية فى المجتمع.

فقد فوجئت بإقحام اسم الرئيس السيسى فى هذا المشروع والإشارة إليه على أنه تجسيد لفكر ورؤى الرئيس الذى لم يأل جهداً من أجل تحقيق نهضة حقيقية فى المجتمع المصرى، والأخذ بيد الاقتصاد المصرى ليتعافى ويصبح قادراً على إنعاش الحياة على وجه مصر.

فلماذا يضطر البعض إلى الزج باسم الرئيس فى مشروعات ربما لا يكون النجاح حليفها مع مرور الوقت، بل وربما يتحول هذا المشروع فيما بعد إلى مصدر رئيسى لإهدار المال العام، ومن يتحمل الخسارة فى مثل هذه الحالة لو أن المشروع كان مصيره بالفعل الفشل، لا قدر الله؟ أنا لا أقول، إن المشروع فاشل ولكننى أتخوف من أن يكون هكذا لأن المقدمات دائما تؤدى إلى نتائج ونحن الآن أمام مقدمات مفجعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهو ما يدعو إلى الحذر والحيطة وأخذ التدابير اللازمة حتى لا يتحول هذا المشروع بين يوم وليلة إلى مجرد مشروع لم يكتمل.

وحينما أتحدث عن فكر الدكتور خالد حنفى والكيفية التى قدم من خلالها للدولة ولمؤسسة الرئاسة مشروعاً لم يأخذ الوقت الكافى من الدراسة والبحث فى جدواه من الناحية الاقتصادية والناحية البيئية والناحية الاجتماعية أيضا، فإننى أجد نفسى أطرح تساؤلاً وهو لماذا يحرص الدكتور خالد حنفى على ارتكاب تلك التصرفات التى يجب ألا تصدر عن مسؤول كبير فى الدولة؟ وهل هناك مبرر له لأن يظل يصرح فى وسائل الإعلام ليل نهار عن أفكار ومشروعات تستهدف توفير السلع للمواطنين من خلال بطاقات التموين؟ فقد وصل به الأمر إلى اللعب على الوتر الحساس وتقديم الوعود والأحلام الوردية للمواطنين بشأن دعم السلع التموينية وتقديم كل السلع عبر منظومة تموينية متكاملة، فعلى سبيل المثال نجده قد صرح من قبل بأن المواطن سيحصل على كيلو الدجاج فى بطاقة التموين بجنيه واحد فقط فتكون النتيجة تلك الفرحة العارمة التى عمت بين الناس البسطاء أصحاب بطاقات التموين ولكن على أرض الواقع يكون الأمر مختلفا تماماً فحتى لو كان هذا الكلام صحيحاً فإنه فى نفس التوقيت يرفع الدعم عن السلع التموينية بنسبة تصل إلى %30 فتصل السلع بأسعار أكثر من المعتاد فيكون كيلو الدجاج الذى أخذه المواطن بجنيه وكأنه بنفس سعر البيع فى السوق لأن ما تم خفضه من دعم يدفع المواطن إلى الإنفاق على بقية السلع بما يعادل نفس قيمة كليو الدجاج خارج البطاقة.

كما أن الحديث المعاد والمكرر للوزير حول صرف الخبز عبر بطاقات التموين قد جاء بنتائج عكسية تماماً حينما تعطلت تلك الأجهزة التى تعمل من خلالها بطاقات التموين «الممغنطة»، مما دفع الكثير من المواطنين للوقوف أمام مبنى ديوان عام الوزارة، مطالبين الوزير بحل تلك المشكلة التى ترتب عليها عدم صرف الخبز بالشكل الذى كان مقرراً لأصحاب البطاقات التموينية.

أنا لم ألتق من قبل الدكتور خالد حنفى ولم أفكر يوما فى أن التقيه، ولكن ما يستفزنى ويثير دهشتى أن ما يقوم به من تصريحات كثيرة ووعود أكثر على حساب اللعب بأعصاب البسطاء، الأمر الذى يجعلنى حريصا كل الحرص على أن يعيد الوزير النظر فيما يتخذه من قرارات تخص الشأن العام، وأن يدقق كثيراً حينما يتعلق الأمر أيضاً بمشروع قد يسىء إلى الرئيس فى حالة عدم الوصول إلى النتائج المرجوة منه بل قد يكون سبباً فى التقليل من شأن مشروعات قومية مهمة تتم وفق منظومة عمل متكاملة يبذل فيها الرئيس مجهوداً كبيراً حتى تخرج بالشكل الذى يليق بدولة فى حجم ومكانة مصر على المستويين الإقليمى والعالمى.

الحق أحق أن يتبع وأنا، وبكل صراحة، أتبع رأسى دائما عندما يتعلق الأمر بالحق ولا شىء غير الحق، فهل يعقل أن تكون عواطف الناس البسطاء لعبة فى يد مسؤول، مهما كانت مكانته فى الدولة، وهل مهمة وزير مثل وزير التموين أن يصرح بأشياء مغايرة تماماً لما يحدث بالفعل على أرض الواقع؟

أعتقد أن القيادة السياسية تعى جيداً ما يجرى من حولها، وأعلم جيداً أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يمتلك من القدرة والقوة والذكاء ما يجعله قادراً على معرفة كل ما يحدث حوله من تصرفات قد تتسبب فى اهتزاز العلاقة القوية التى تربط بين الشعب ورئيسه، فالرئيس يتمتع بشعبية غير مسبوقة فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر، فالناس لم تعد تحتمل سماع وعود لا يتحقق معظمها، كما أن الناس أصبح لديها إحساس يصل إلى درجة الكمال بأنه قد آن الأوان لأن تحصد ثمار ما زرعته من صبر وتحمل أعباء جسام طوال الشهور الماضية، فهل هكذا يكون الجزاء بأن يخرج عليهم وزير أو مسؤول ويستفزهم بشكل يومى بتصريحات لا تثمن ولا تغنى من جوع؟

الأمر لا يحتمل السكوت عليه ولابد من وقفة مع هذه المسألة..الآن وقبل فوات الأوان.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة