هل يصح صياغة السؤال على هذا النحو، الذى يفترض أننا سواء فى تونس أو فى مصر نواجه نفس التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، الذى يضع الخطط فى كل الدول من غرفة عمليات واحدة، يصح هذا التصور لو كنا بصدد وضع كان الإخوان فيه فى مصر على عرش الدولة الأكبر، وقد استقر لهم المقام وبدأوا فى التخطيط والتنفيذ لمشروع التمكين، ليمتد لصيغة خلافة عثمانية جديدة تقودها تركيا أردوغان، كان من الممكن أن يصح السؤال السابق لكننا أمام تمايزات حقيقية بين تونس ومصر ليس فقط فى المعادلات السياسية التى تحكم مسار كل بلد، سواء موقف الجيش فى مصر الذى ضغط عليه ضعف الحالة المدنية والفراغ الذى لا تحتمله ظروف دولة كمصر، تسهم الجغرافيا فى تعقيد مشاهدها أو موقف جماعة الإخوان فى مصر وأزمة قيادتها المتصلبة التى تفتقر لأدنى درجة من درجات الخيال السياسى وحسن الإدارك، الذى حال دون أن تقرأ الموقف منذ لحظة 25 يناير وحتى اليوم قراءة صحيحة.
ترددت الجماعة فى الدخول لمسار ثورة يناير فى البداية خوفا من نظام مبارك والتزاما بخط حافظت عليه فى العلاقة مع كل الأنظمة، حيث كانت تلتحق بكل ثورة بعد التأكد من نجاح موجاتها الأولى، التى تنكسر على أجنحتها أرواح ونفوس أشرف فئات هذا البلد، بمعنى أنها تنتظر اللحظة التى تقطف فيها الثمرة تاركة الزراعة والرعاية لغيرها، فلم تكن الجماعة عبر تاريخها جماعة ثورية بل إصلاحية تتماشى مع كل نظام ما ترك لها مساحة للحركة، فشلت فى مصر لأنها تصورت أنها قادرة على قيادة شعب صاحب حضارة وعمق تاريخى، وقد وقعت فى وهم عمق التغييرات الاجتماعية التى قادت المزاج المصرى للتسلف، بفعل الطفرة النفطية فى الخليج من جهة التى ساهمت فى انتقال علماء ودعاة إلى الخليج والعودة بتصور وهابى مغلق، عبر عن نفسه فى اختراق الأزهر والإعلام، حتى تصور الإخوان وحلفاؤهم أن المجتمع بعد ثورة يناير أصبح مهيئا لقبول نموذجهم فى الحكم، مبالغة فى تقدير هذا التغيير الاجتماعى من جهة، والوقوع فى غواية امتلاك قوة تنظيمية مقارنة بغيرهم من القوى المدنية التى قتلتها الخلافات والأطماع من جهة أخرى.
لم تؤسس الجماعة ولم تقتنع أبدأ بفكرة الشراكة الوطنية وتحدثت كثيرا عن المشاركة الوطنية ثم انخرطت فى مغالبة لا تعرف الرحمة، حتى مع شركائها السلفيين تنكرت حتى لشبابها الذين بيضوا وجهها بالاشتراك مع نظرائهم من المصريين فى ثورة يناير، وامتلكت الوقاحة الكافية بعدها لتدعى أنها هى من صنع الثورة ويجب أن يجنى ثمراتها، تحدثوا عن أنهم باقون فى الحكم لعقود إيمانا بديمقراطية المرة الواحدة، التى لا يؤمنون بغيرها وتأمل ماذا فعلوا فى السودان أو حتى غزة، أو فور إعلان الإعلان الدستورى بعد شهور قليلة من وجودهم فى الحكم، بدا السعار فى القبض على مقاليد الأمور وامتلاك كل مفاصل الدولة وحرف مسيرتها الوطنية، واتهام كل من يخالفهم الرأى بالخيانة والنفاق، وبدا أن الدولة الدينية تستعد لإعلان تأسيسها فى مصر الدولة الوطنية الأقدم فى العالم لحساب وهم الخلافة الذى توسل له الشاطر بتوحيد كل فصائل الإسلام الحركى إخوانا وسلفيين وجهاديين، وبدا أن الخلاف بينهم ليس فى إقامة الدولة بل طريقة إقامتها، أقنعهم الشاطر أنه أصبح قاب قوسين أو أدنى منها، لذا كان من الطبيعى فور سقوط هذا المخطط أن يجتمع كل هؤلاء فى صعيد واحد فى رابعة، يتوعدون الدولة والشعب بالويل والثبور وعظائم الأمور وغيرها مما خرج للعلن بالفعل، فى تلك المعركة التى تخوضها الدولة فى مواجهة الإرهاب.
تأمل ماذا فعل الإخوان سواء فى عام حكموا فيه هذا البلد، أو فى أعقاب خروجهم من الحكم بفعل شعبى إنحاز له الجيش، مقارنة بما فعلته حركة النهضة فى تونس التى سبقتنا فى كل شىء فى الثورة أو حتى الانتقال الديمقراطى السلمى، حازت حركة النهضة الأغلبية التى تمكنها من الحكم منفردة فاختارت أن تحكم بترويكا تجمعها مع التيار اليسارى والليبرالى، شكلت الحكومة وعندما انهار حكم الإخوان فى مصر وضغط على الوعى الشعبى فى تونس فهم الغنوشى ورفاقه الرسالة واستجاب على الفور لضغوط دفعته لترك الحكم، قائلا عندما خيرنا بين أن نبقى فى الحكومة وتذهب الحرية والديمقراطية فى تونس فاخترنا الحرية، تنازل طائعا عن الحكم ودخل انتخابات جديدة دفعته لأن يكون القوة الثانية بعد حركة نداء تونس، واتصل فور إعلان النتائج غير الرسمية ليهنئ غريمه بالفوز، حارب الغنوشى السلفية الجهادية بعنف وترك الجيش يتعامل معها ودعمه عندما كان فى الحكم، ولم يحفل بأصوات السلفيين انحيازا للدولة وأمنها، قارن ذلك بما فعله مرسى الذى دعا عندما خطف الإرهاب جنودنا للحفاظ على حياة الخاطف والمخطوف، نجحت حركة النهضة لأنها أحسنت قراءة المشهد التونسى وقدرت أن المجتمع التونسى لايقبل دولة شمولية ترفع راية الإسلام، قدر أن العقل التونسى حر مستنير متمسك بحقوقه وحرياته متعلم فى معظمه، وبالرغم من جوار تونس لليبيا وسبق تونس بالثورة فإن الموقف فى ليبيا اختلف، هل تعلمون لما اختلف ربما ما يفسر ذلك ما قاله الحبيب بورقيبة الرئيس التونسى الأسبق للقذافى ذات مرة، عندما حثه أن يزيد إنفاقه على التعليم والثقافة، فرد عليه القذافى بأنه لو فعل ذلك لخرج عليه الشعب الليبى، فقال له إن يخرج عليك شعب متعلما أفضل من أن يخرج عليك شعب جاهلا.
نجح الإخوان فى تونس لأن طبعة الإسلام السياسى فى المغرب العربى وإن بدأت جذورها فى مصر حاضرة المشرق، إلا أن التجربة تطورت فى المغرب انطلاقا من فارق جوهرى بين التيارين، فالإسلام السياسى المغربى انطلق على أرضية مقاصد الشريعة، مقابل أرضية النصوص والطقوس التى لم تغادرها تجربة الإسلام السياسى المشرقى، ولعل هذا هو جذر الفشل لدى الإخوان فى مصر، مقارنة بأسباب النجاح النسبى لحركة النهضة التى هى أمام محك حقيقى، سيكشف مدى قدرتها على الانتقال من حركة شمولية تخلط الدينى بالسياسى، إلى حزب سياسى حقيقى يشتبك مع الاحتياجات الوطنية للشعب التونسى، وهو ما سيكشفه أداء الحركة سواء فى إدارة الصراع مع غريمه نداء تونس، أو المنافسة على منصب الرئيس وهذا ما سيسعفنا ربما بإجابات أفضل، عن سؤالنا فى هذا المقال عمن نجح أو فشل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة