فى حدود الثالثة عصر يوم السبت 6 أكتوبر من عام 1973 امتلأ فناء مدرسة شبرا الخيمة الإعدادية بنين بمئات الطلاب الذين مضوا يمرحون ويقفزون ويركضون ابتهاجًا بفترة «الفسحة»، وفجأة دُعىَ الطلاب إلى الانتظام فى صفوف مثل طابور الصباح بدلا من الذهاب مباشرة إلى فصولهم فور سماع جرس انتهاء الفسحة كما هى العادة.
ارتبك الطلاب وتعجبوا من هذا التغيير المفاجئ، فلما أطل فى الفناء ناظر المدرسة الأستاذ بديع باسيلى موسى، أيقنوا أن هناك شيئا خطيرًا، فحضرة الناظر لا يلوح هكذا بلا سبب، إذ يتمتع بشخصية قوية يهابها الجميع، وكان بالغ الأناقة لا نراه إلا مرتيدًا بدلة كاملة ورابطة عنق، وقد زاده الشعر الرمادى وقارًا.
أمسك حضرة الناظر الميكرفون وأخذ يعلن لنا نحن الطلاب أن الحرب اندلعت بيننا وبين عدونا الإسرائيلى، وأن الجيش المصرى العظيم عبر قناة السويس قبل ساعة، ومضى يهتف مهللا بحماسة «الله أكبر والنصر لمصر»، ثم اغرورقت عيناه بالدموع، وطلب منا أن نذهب فورًا إلى بيوتنا لنقف بجانب أمهاتنا وشقيقاتنا لأن الآباء والأشقاء الكبار قد يكونون على الجبهة فى هذه اللحظات الحاسمة من تاريخنا، ثم أخبرنا ألا نعود إلى المدرسة إلا حين نقرأ ذلك فى الصحف أو تعلنه محطات الإذاعة والتليفزيون.
بالنسبة لى ارتبطت ذكرى حرب أكتوبر بمشهدين لا يمكن أن أنساهما، الأول حين سمعت هتاف حضرة الناظر وأنا تلميذ فى الصف الأول الإعدادى لم أبلغ عامى الثالث عشر بعد، والثانى حين عدت إلى بيتى فى عصر ذلك اليوم لأتأكد أن أشقائى الكبار الثلاثة يشاركون فى الحرب، ولك أن تتخيل مشاعر أب وأم أيقنا أن قعقة السلاح اشتعلت، وأن الصواريخ انطلقت، بينما أبناؤهما الثلاثة يشاركون فى المعارك الطاحنة مع العدو الإسرائيلى.
أذكر أيضا أن حالة من التآزر الاجتماعى مرت بالمصريين ليس لها شبيه، فتوقفت المناوشات والاحتكاكات بين الجيران فى المناطق المزدحمة، وأمسك اللصوص عن سرقة أحد، وبات الشعب كله على قلب رجل واحد. فليرحم الله جنودنا الأبطال وشقيقاى إبراهيم وفوزى وحضرة الناظر المسيحى الأستاذ بديع باسيلى موسى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة