الخبيص نوع من الحلوى الخليجية، بسيطة بما يتفق مع طبيعة بيئة البداوة العربية، وتتكون من مكونين اثنين فقط، هما: السمن البلدى المقدوح وفتات التمر المختلطين، وقد يُرش عليهما بعض السكر لجعلها أكثر حلاوة، وبما يرفع السعرات الحرارية ويمنح الجسم طاقة يستعين بها، على تحمل ليالى البرد القارس فى شتاء الصحارى.
واسم الخبيص مشتق لغويًا من الفعل "خبص"، بمعنى خلط الأشياء بعضها بعضًا، والرجل خبص أى خلط الصدق بالكذب والحق بالباطل، فهو خبّاص يسعى إلى الفتنة والوقيعة بين الناس، ويقول مثل عربى قديم: "الخبص أشد من الكذب"، وهو مثل صادق للغاية، فالخبص سلوك لابد أن يحتوى على الكذب والتدليس والتحريف.
ومن سوءات الخبّاص أنه بصّاص أيضًا، يتجسس على المقربين منه، يسترق السمع ويختلس البصر، حتى يلتقط الأخبار فينقلها إلى سيد من "الأسياد" ممن يتخذون من الوشاة خلصاء، وهؤلاء كثرة غالبة لا فى مصر فحسب، وإنما فى عالمنا العربى من المحيط إلى الخليج، مما يحدو شاعرًا إلى أن يسخر مما يسميه "بلاد المخبرين" قائلًا: "يا صاحبَ البابِ العظيمْ/ يا مالكًا أمرى وأمرَ العالمين/ إنى استقلتُ.. فلن أقولَ قصائدي/ إلا لمدحِ المخبرينْ/ الصافعينَ قفا العبادِ.. القامعين الباطشين/ هذى البلادُ خرابةٌ كبرى/ فكيف ينمو الياسمينْ/ ينمو الوشاةُ على ضفافِك سيدى/ شوكًا بأقدامِ الحفاةِ الجائعين/ ويموتُ غرسُ الصادقينْ/ يا آمرًا يا ناهيًا يا مانعًا يا واهبًا/ أنتَ الضياءُ إذا تسنى.. ونحنُ من عِهنٍ وطينْ".
وإذا كان الشعر قد احتقر البصاصين، وأيضا السادة الذين يستعملونهم، فإن رواية جمال الغيطانى "الزينى بركات" تتطرق بدورها إلى حقيقة بالغة الخطورة، وهى أن البصاص إذا تمكن سرعان ما "يتفرعن"، إذ تقدم صفحات الرواية مشاهد بالغة الوحشية لكبير البصاصين زكريا عبد الراضى، وهو يعذب خصومه ومنافسيه ويلفق التهم لهم، الأمر الذى يثير سؤالًا عما إذا كانت شخصية البصاص شخصية مريضة بالسادية، تتلذذ بتعذيب الآخرين وتطرب بصرخات الألم.
ولا يقتصر تحقير "البصاصين الخباصين" على الأدب الذى هو فى أصله مرآة الواقع، فالتاريخ بدوره يبصق فى وجوههم، على نحو ما ينقله من قصة معروفة بين نابليون وبين بصّاص استعمله للتجسس ضد بلاده النمسا، حتى انتهت الحرب بنصر الفرنسيين، فجاء الخائن يستوفى أجره من الإمبراطور المنتصر، فما كان من "نابليون" إلا أن رمى صُرةً من ذهب على الأرض، فقال الخائن: "إن طموحى أن أصافح الإمبراطور"، فقال القائد المنتصر: "لك الذهب تنحنى فتأخذه فتغرب عنى، أما يد الإمبراطور، فلا تصافح إلا شريفًا".
درس كبير لمن أراد أن يعتبر، فالبصاص الخباص يظل فى عينى سيده حقيرًا دنيئًا، ومهما سمع وأطاع وأراق شرفه وماء وجهه، لا يحصد فى النهاية إلا الاحتقار والازدراء، لكن هذه الحقيقة لا تمنع أن يتطوع كثيرون بتأدية الأعمال القذرة، بمنتهى السعادة دون أدنى شعور بأنهم مفضوحون أحياءً ملعونون أمواتًا، عليهم خزى الدنيا والآخرة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة