د. عمار على حسن

خرائط الدم والنار

الخميس، 30 أكتوبر 2014 12:07 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى بيت الأنصار كان الشباب المصريون يستبدلون جوازات سفرهم المستخرجة من مصر بأخرى ينتحلون فيها أسماء حركية، يستخدمونها فى السفر إلى باكستان، وهناك روايات تتحدث عن أنهم كانوا يتسلمون مجرد «وثائق سفر»، يخرجون بها من السعودية إلى إسلام أباد، باتفاق سرى بين السلطات السعودية ونظيرتها الباكستانية.

وبالطبع لم يكن كل الخارجين من مصر إلى السعودية بقصد الحج أو العمرة ينوون الذهاب إلى أفغانستان، فالبعض ذهب إلى الأراضى المقدسة وليس فى ضميره سوى أداء هذه الفريضة فقط، ثم قادته الظروف إلى تغيير وجهته، بحيث وجد نفسه فى النهاية فى أفغانستان. وهناك من كان يحصل على تأشيرة حج أو عمرة تتيح له الدخول إلى الأراضى السعودية وهو يقصد أساسا أن يتسلل إلى داخل السعودية بعد أداء العمرة بحثا عن عمل، لكن فشله فى الحصول على فرصة عمل ضيق خياراته تماما، لتنتهى فى خيار واحد وهو الذهاب إلى أفغانستان. ففى ظل البطالة وضيق الحال «يقيم هؤلاء الشباب فى منطقة الحرم المكى حيث أداء الفرائض وتدبير الطعام المجانى وإمكانية الاتصال ببعض المصريين أو السعوديين لتدبير مكان للنوم أو البحث عن فرص عمل. وهنا يقوم المجند أو الكادر المخصص لتجنيد أعضاء جدد بمتابعة الهدف وممارسة أشكال متعددة من التأثير النفسى عليه عبر الدعوة للجهاد.. ويعمل القائم بالتجنيد على توفير كل التسهيلات للسفر إلى معسكر الأنصار السعودى فى بيشاور».

أما الموجة الثالثة للهجرة فتخص أفراد وقيادات من الجماعات الإسلامية كانوا مطلوبين لأجهزة الأمن وتمكنوا من الفرار خارج مصر، إما بالتسلل عبر حدود مصر مع ليبيا والسودان، أو بجوازات سفر مزورة. وقد أوفدت «الجماعة الإسلامية» أحد كوادرها الرئيسية وهو نبيل عبدالفتاح إلى ليبيا، ليكون همزة الوصل بينهم وبين قيادات وأفراد الجماعة فى مصر، من جهة، ويسهل سفر وعودة مجموعات من القاهرة إلى بيشاور والعكس، من خلال طريق آمن فى الصحراء الغربية، وقد أظهرت اعترافاته، بعد أن تمكنت المخابرات المصرية والليبية من اعتقاله عام 1992، هذا الأمر بجلاء حيث قال: «غادرت باكستان إلى صنعاء حيث استقبلنى مسؤول هناك من أعضاء الجماعة الإسلامية وقام بشطب تأشيرة باكستان من على جواز السفر، وحجز تذكرة سفر للخرطوم، وغادرت إلى هناك بالفعل.. واستقليت من السودان سيارة إلى ليبيا.. واستقريت هناك، وأقمت مشروعا اقتصاديا لتغطية إقامتى. ومن ليبيا سهلت مهمة دخول وخروج جميع المصريين القادمين أو الذاهبين إلى أفغانستان.. كانت مهمتى الأساسية اكتشاف طرق لمصر عبر الدروب الصحراوية على الحدود الليبية».

أما بالنسبة للتزوير، فلا تخلو قائمة مضبوطات أى من عناصر «تنظيم الجهاد» و«الجماعة الإسلامية» أو غيرهما من وثائق سفر مزورة. ويمكن أن نضرب هنا مثلين على هذا، أولهما يخص المتهم الثانى فى محاولة اغتيال وزير الإعلام صفوت الشريف ويدعى حسن رمضان شلقانى، حيث ضبطت قوات الأمن بحوزته صحيفة حالة جنائية باسم غير اسمه، وشهادة من كلية الحقوق جامعة الزقازيق، وأخرى من كلية العلوم جامعة المنصورة باسم ثالث، ورخصة قيادة مزورة، ووثيقة قيد عائلى باسم رابع. أما طلعت ياسين همام، الذى تمكنت قوات الأمن من قتله عام 1994 فى إطار تعقبها للعائدين من أفغانستان»، فقد عثر فى الشقة التى كانت يختفى بها مجموعة كبيرة من الوثائق والمستندات الرسمية، غير المسودة، الصادرة عن بعض الجهات الحكومية، والصالحة للاستعمال من قبل أى شخص من أفراد الجماعة الإسلامية يريد استخراج جواز سفر. وفى البداية كانت الجماعات الإسلامية الراديكالية تلجأ إلى عصابات التزوير لتدبر لها ما تحتاجه من وثائق سفر وغيرها، ثم راحت بمرور الأيام تعتمد على نفسها فى أداء هذه المهمة، من خلال تدريب بعض كوادرها على التزوير. فعلى سبيل المثال هناك جهاز مختص بهذا العمل داخل تنظيم الجهاد، يطلق عليه اسم «جهاز الدعم الحركى»، ووظيفته تقديم الدعم اللازم للتنظيم فى مجال «التقنيات والهندسة وتدبير الأسلحة.. وطباعة نشرات الدعوة وتزوير الأختام والوثائق الحكومية». وقد أقام التنظيم فى اليمن مركزا لتزوير الوثائق، الأمر الذى كشفت عنه اعترافات نور الدين سليمان أحد المتهمين فى قضية محاولة اغتيال رئيس وزراء مصر الأسبق عاطف صدقى، حيث قال إن أيمن الظواهرى أرسل إليه شخصا قابله فى اليمن، وسلمه شيكا بمبلغ خمسة آلاف دولار، إلى جانب بطاقة شخصية مزورة، ومجموعة أخرى من البطاقات والشهادات، غير المسودة، خاصة بإنهاء الخدمة العسكرية. ومن بين المنتمين إلى «تنظيم الجهاد» برع فى عملية التزوير ثلاثة أشخاص، الأول هو محمد عامر سليمان صقر، وكان ينتمى فى البداية إلى «جماعة المسلمين»، وسافر إلى السعودية، وشارك فى عملية اقتحام الحرم المكى، التى تزعمها السعودى جهيمان العتيبى، فحكم عليه بالسجن تسع سنوات، وعقب خروجه سافر إلى بيشاور، ليلتقى هناك أيمن الظواهرى، الذى كلفه بعدة مهام منها إعداد وثائق سفر مزورة من أجل استقدام عدد من أعضاء التنظيم إلى أفغانستان. والشخص الثانى هو يوسف حسن، وهو أحد كوادر الجهاد، وكان يعمل فنى طباعة، بما جعله متمكنا فى عمليات التزوير. أما الثالث فهو سيد محمد إبراهيم، وقبل انضمامه إلى تنظيم الجهاد وسفره إلى بيشاور، كان من المسجلين فى سجلات البحث الجنائى فى نشاط التزييف والتزوير. ومن أجل أداء مهمة التزوير، دفع التنظيم هؤلاء الأشخاص الثلاثة إلى داخل مصر، عبر ليبيا والسودان، لكنهم وقعوا فى يد رجال الأمن مصادفة.

ويحكى عادل عبدالباقى، أشهر التائبين من تنظيم «الشوقيين» كيف كان يتم تهريب أفراد الجماعات الإسلامية الراديكالية خارج مصر فيقول: «ذهبت إلى أحد قيادات الجماعات اسمه الشيخ سعيد أبوعبده، شرحت له وضعى «حالتى المادية الصعبة»، فقال إن علاجى هو السفر للخارج. قلت له: أنا ليس معى ورق «يقصد جواز سفر»، فقال له: كل هذه المسائل سهلة، ونستطيع أن نوفر لك المصاريف لتسافر إلى أى أحد من الأخوة فى السعودية. وشعرت أننى لو سافرت إلى السعودية قد لا أجد عملا فيتم ترحيلى أو أننى أسافر إلى بيشاور».

ويقول شخص آخر من بين أفراد الجماعة الإسلامية بشأن سعيد أبوعبده، الذى كان يعمل فى بداية التسعينيات رئيس قسم الحاسب الآلى بجمرك بورسعيد،: «يستطيع الشيخ سعيد أبوعبده تدبير عمليات السفر من مصر.. ولكن لا يريد أن يقيمها لجميع الأخوة لأننا مطالبون بالجهاد، ولا يساعد أحدا على السفر إلا من يتعرض لمشكلات فى مصر.. أو كان مطاردا. فهؤلاء يساعدهم للسفر إلى الدول العربية، ليتمكنوا من الاستمرار فى الجهاد هناك.. مثل زميلنا محمد الزينى الذى كان مطاردا من الأمن ولا يستطيع الجهاد هنا، فقام شيخنا الكبير بإعداد جواز سفر مزور له، وتم تهريبه إلى هذه الدولة العربية «يقصد السعودية»، وهناك يلتقى الأخوة الذين يتم تهريبهم من مصر بالقبطان عصام، الذى هرب من مصر بعد الإفراج عنه فى قضية مقتل السادات، ويعمل هناك فى شركة ملاحة كبرى، ويتولى مع بعض الأخوة هناك تسفير الأخوة الذين يرسلهم إليه الشيخ سعيد إلى زميله أيمن الظواهرى، وهناك يتم تدريبهم على الجهاد الأكبر».

«ونكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى».








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة