ها أنا أمسك بقلمى لأغوص بين الحروف والكلمات كى الملم رفات لغتى ليصلك هذا الشعور الذى مزقه البعد عنكى يا بلدى فى غياهب الغربة التى اندثرت فيها الكلمات والتعبيرات ما بين شغف ولهفة وحنين واشتياق وبين حيره ورغبة وأنين واحتراق، يداعبنى نسيم ليلك ويمازحنى جمال كلامك ويسامرنى تغريد بلابل أشجارك، ويأخذنى خيالى لأنظر لحظة لسماءك فأتذكر نسمات هواءك، وفى خضم الغربة يأتى الغروب وعند حلول الليل أنظر لتلك اليد الممتدة ناحية الغرب كى تسحب شمس نهارى الحمراء ببطء فتسدل ستار الشروق وتطفئ أنوار الشقوق ليهب طوفان اليأس المظلم، ويحوم بالمكان مفعما بمرارة الحرمان والوحدة والحيرة، ليعلن بداية ليلة جديدة بطيئة الكواكب المنيرة وقليلة النفحات السعيدة وعديمة الصيحات المؤنسة فيشوبها الصمت الهادئ الهامد دون حركات، فأحيا فيها دون أن أعيش، فالليل يغشى هذه الوحدة والهم يغمر بالوسواس تلك الليلة والقلب يدق أنينا بهذه الخفقة والروح تظل ظمآنة انتظارا للشعور بالمهجة.
أما أنا فلا مفر لى سوى أن أحول هذا الليل إلى فكره أطوف بها فيك يا وطن فأتذكر ليلك يا بلدى وضوضاء أركانك وفى الشوارع والطرقات وعلى جانب نيلك حين يسير العاشقين، فأراكِ يا بلدى فوق أسطح البيوت ووسط لمة الأهل والأحباب أتخيلك ككئوس مملوءة بحليب القمر فى لحظة سمر بليلة سهر، ثم ألقى نظره إلى هذا الدر الذى يكمن فى أحشاء النهر فينثر بريقا على أمواجه الهادئة فتظهر متلألأة وتحمل مراكب تجوب الضفتين ذهابا وإيابا فتقل على متنها السهرانين فما أحلى التنزه فى تلك الليالى الوردية، فأتخيل أجمل اللحظات فى ليلك يا وطن وهذه الفكرة تمنحنى الصبر وتمدنى بالقوة المعنوية لأصارع ظلام الغربة الدامس فأظل أهيم فى ليلك يا وطن حتى تأتى شمس يوم جديد وتطلب منى أن أنهض لأستقبل النور مرة أخرى وهكذا تمضى ليالى الغربة.
صورة أرشيفية
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة