قيادات بالصدفة؟

الخميس، 23 أكتوبر 2014 11:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أهم مشكلة تواجهها مصر حالياً هى وجود شخصيات فى مواقع المسؤولية لا تقدر حتى الآن الدور الذى يجب أن تقوم به، مما يؤثر بالسلب على شكل الدولة، وعدم التقدير هذا قد يكون نابعاً من افتقاد هذه الشخصيات للرؤية المستقبلية، وأن وصوله لهذا المنصب جاء بمحض الصدفة وحدها، أو أنهم لا يؤمنون بفكر القيادة الجماعية، بمعنى أنهم يسعون دائما ليتصدروا المشهد السياسى وخنق من يعملون تحت قياداتهم أو يساعدونهم فى مهامهم، والنتيجة أننا نصل إلى مرحلة التخمر الفكرى أو الجمود، وهو ما أصاب كثيرين حاليا ممن يحاولون إقناع المصريين بأنهم أصحاب الفكر والرؤية الثاقبة، وفى الحقيقة تجدهم السبب فيما نحن عليه الآن من أزمات.

البعض قد يرفض فكرة التعميم التى بدأت بها، ويعتبرون أنه من الظلم وصم كل المسؤولين بأنهم عديمى المسؤولية، وأنا اتفق معهم لأننى فى الأصل رافض لفكرة التعميم لكن لدينا بالفعل مشكلة فى شخصيات قيادية كثيرة تربت على التبلد الفكرى وعدم القدرة على العمل، اللهم إلا منافقة الأعلى منهم فى التسلسل الوظيفى ليبقوا فى أماكنهم، وهو لا يستقيم مع الظرف العصيب الذى تمر به مصر فى الوقت الحالى، فبلدنا لا يحتمل أن تكون حقل تجارب لمتحملى المسؤولية، بمعنى أننا فقدنا أكثر من ثلاث سنوات فى تجربة الشخصيات التى يفترض أن تتحمل المسؤولية وتبدع فى أماكنها، لكننا فى النهاية نصل إلى نتيجة مفادها الفشل.

لنتحدث عن أمثلة حتى لا يكون التعميم ضاراً، والأمثلة هنا لن تكون مقرونة بأسماء لكنها بأحداث، فبعد فض اعتصامى رابعة والنهضة قررت وزارة النقل وقف كل تسيير القطارات لأسباب أمنية، وظل هذا القرار ساريا لعدة أشهر، وكنا جميعاً نتبادل الحديث حول إمكانية استغلال هيئة السكك الحديدية لفترة التوقف هذه للتطوير، سواء بتطوير الخطوط أو القطارات وآليات الحجز، للقضاء على المشاكل التى تواجه الراكب المصرى، حتى حينما طرح أحد أصدقائى مشكلة التمويل كعائق أمام التطوير كانت هناك حلول مقترحة أظن أن لدى وزارة النقل والمسؤولين عن السكك الحديدية بعضها خاصة أن لديهم خبراء فى ابتكار الحلول.. المهم عادت القطارات للعمل مرة أخرى بعد التوقف وكانت المفاجأة أنها عادت كما هى بحالتها التى يرثى لها، وربما أسوأ مما كانت عليه قبل إيقافها، وهذا ببساطة يرجع إلى أن الهيئة والقائمين عليها لم يفكروا فى استغلال فترة التوقف للإبداع والتطوير، حتى أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء التفكير فى استغلال العمالة الهائلة لديهم فى صيانة القطارات وخطوط السكك الحديدية، ووصلنا إلى أن هذه العمالة ظلت تتقاضى رواتبها لأكثر من ثلاثة أشهر دون عمل، وهذا بسبب أن القائمين عليهم ليست لديهم رؤية مستقبلية وإنما يسيرون المركب كل يوم بيومه.
أزمة القطارات لم تقتصر على ذلك وأنما حتى بعد عودتها للعمل مرة أخرى عادت بطاقة ربما أقل من نصف طاقتها السابقة دون أن نعرف الأسباب أو حتى يبرر لنا مسؤولو الهيئة هذا القرار، بعيداً طبعا عن التبرير الأمنى الذى أصبح الأسهل للجميع الآن، فمع عودة الجامعات والمدارس تزداد يوميا معاناة المسافرين دون أن يجدوا ما يخفف عنهم سوى قطارات متهالكة وفى مواعيد لا تتناسب معهم، وبأعداد لا تكفى إلا القليل منهم.

مثال آخر على الاختيار الخاطئ للمسؤولين، وربما يصلح هذا المثال للتعميم على شخصيات كثيرة ممن يسهل عليهم التبرير، فقبل يومين اضطرت سيدة للولادة فى الطرقات أمام قسم استقبال مستشفى كفر الدوار بالبحيرة، بعدما رفضت المستشفى استقبالها، وهو مشهد يتكرر كثيراً أمام المستشفيات المصرية، وسبق أن كتبت على حالة أميرة التى قدمت من المنيا بناء على توصية أحد المستشفيات الحكومية هناك لكى تتلقى العلاج بالقاهرة لكن أهلها ظلوا لعشر ساعات يترددون على ثلاث مستشفيات بالقاهرة دون أن جدوى، فالجميع رفض استقبال الحالة دون إبداء سبب وكانت النتيجة أن أميرة توفيت وهى فى طريق العودة للمنيا، وفى النهاية تجد المبرر الوحيد لدى وزارة الصحة أنهم لا يعلمون شيئاً عن الأمر وسيحيلون القضية للتحقيق، وكأن الإحالة للتحقيق تحولت إلى درج كبير يجمع ملفات لا يرغب الكبار فى فتحه.

وإذا تحدثنا عن التبرير فلا يجب أن ننسى أن تهمة الانتماء لجماعة الإخوان الإرهابية أصبحت أحد المبررات التى يستند إليها بعض مسؤولينا إذا ما اتهم بالتقصير أو الإهمال فى التعامل مع ملف معين، فبدلا من توضيح الموقف وربما الاعتذار إذا ثبت الخطأ تجد المسؤول يقول «أصل ده إخوانى» وكأنها تهمة تخلع عن صاحبها صفة الإنسانية.
أمر آخر مهم فى عدم تقدير المسؤولين لواجباتهم وهو أن مصر ابتليت مؤخراً بشخصيات تتعامل مع المعلومة على أنها سر حربى لا يجوز لأحد الاطلاع عليه، وأنها تناصب الإعلام العداء لا لشىء إلا لأنه يسعى لكشف الحقائق التى ربما تغضب كثيرين، وهذه مشكلة غالبا من تواجهنا كإعلاميين وربما تكون سبباً فى حدوث أزمات كثيرة، لأن غياب المعلومة من مصادرها يجعلنا نبحث عنها فى أماكن أخرى قد يكون لها مصلحة فى وصول هذه المعلومة بشكل يخدم مصالحها هى.
ورغم أن لكل وزارة وهيئة متحدثا رسميا ومكتبا إعلاميا إلا أن غالبيتهم يحتاجون لدورات تدريبية فى التعامل مع الإعلام، لأنهم أمام مغيبين تماما عن مصادر المعلومات داخل الوزارة أو الهيئة وبالتالى يكون رده الدائم بالنفى على أية أسئلة أو تقارير، أو التتفيه منها، وفى النهاية نكتشف أن حضرة المتحدث لا يعلم شيئا يتحدث به، وهناك نوع آخر من المتحدثين أعجب بمنصبه واختزن المعلومات لنفسه فقط دون أن يمررها للإعلام، أو ينتقى من الإعلاميين مجموعة يقربها منه ويعتبر الباقين مجرد شياطين لا يجوز التعامل معهم.
أمثلة كثيرة ربما يكون القارئ أعلم بها منى، فعلى مدار اليوم تكتشف أن لدينا أزمة مسؤولية، ربما يكون السبب الرئيسى فيها هو آلية الاختيار القائمة على المعرفة قبل الخبرة، لذلك أرى من المهم أن نغير من طرق اختيار المسؤولين، وأن نعتمد على من لديه القدرة والمؤهلات التى تمكنه من الإدارة، وهنا لن نأتى ببدعة جديدة فقد سبقتنا دول شقيقة لنا فى تطبيق نظم الإدارة الحديثة فى اختيار القيادات، وهذه الدول أصبحت الآن مضرب المثل لنا فى التقدم والتطور، رغم أننا نملك طاقة بشرية لا يستهان بها، لكن لم نحسن استغلالها.

قد ينظر البعض لتوجهات الدولة الجديدة بالاعتماد على الشباب فى الإدارة كونها نوع من البروباجندا الإعلامية التى لن تحقق أى جديد، وأن الرئيس عبد الفتاح السيسى حينما يتحدث مع الحكومة حول تحويل شؤون الموظفين فى المصالح الحكومية إلى إدارة موارد بشرية فهذا نوع من الرفاهية لسنا بحاجة لها الآن، لكنا مع كامل الاحترام لكل الآراء الناقدة لهذه التوجهات، فإن مصر لن تنطلق مسيرتها الإدارية والمهنية خاصة لدى قياداتها إذا لم نسلك النظم الحديثة فى الإدارة ومنها بالطبع تغيير المفاهيم البالية التى أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن، فالأمر لن يكون قاصراً على تغيير مسمى مثل الموارد البشرية بدلا من شؤون الموظفين أو العاملين، وإنما سيكون مرتبطاً بثورة جديدة فى آليات العمل تضع لأول مرة شروطا للترقى وتولى المناصب القيادية بناء على العمل والكفاءة وليس بناء على السن والعمر الوظيفى، وغيرها من الأمور التى نجحت فى القطاع الخاص وتأخرنا كثيراً فى تطبيقها على القطاع العام والحكومى.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة