دينا عبد العليم

تركنا يوسف عند مدارسنا فقتله الفساد

الثلاثاء، 21 أكتوبر 2014 03:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تجمعت كل الموبقات فى قلب إخوة يوسف بن يعقوب، وتحالف بداخلهم الجشع والحقد والغيرة والطمع والجبن والخسة، فقرروا قتل أخيهم دون أن يفعل ما يستحق حتى الكراهية منهم، ولأنه نبى الله وطفله الجميل شملته الرعاية الإلهية ونجته من مكرهم وتآمرهم عليه، لكن زمن المعجزات انتهى، وانتقل الجشع والحقد والفساد والجبن عبر السنين من قلوب إخوة يوسف إلى قلوب ملايين البشر، وملأ الدنيا فأصبح تحالفهم أمرا واقعا، ونتائجه فى الغالب مضمونة، يدفع ثمنها الضعفاء، أمثال الطفلين يوسف محمد ويوسف زكى اللذين جمعهما بيوسف نبى الله اسمه وبراءته وتآمر أصحاب القلوب الجشعة عليهم جميعًا.

يوسف بن يعقوب نجا بأمر إلهى، أما يوسف محمد. صاحب التسع السنوات فمات بعد أن خرج من مدرسته «عمار بن ياسر» بالمطرية يوم الأربعاء الماضى بساعات ليست قليلة، ولم تمر سوى أيام قليلة لنفقد يوسف آخر، وهو التلميذ يوسف زكى الذى توفى فور سقوط باب مدرسته الابتدائية بقرية الزاعيرات بمطروح على رأسه، ويبدو أنه تابع قصة يوسف ذبيح المطرية الذى ظل ينزف الدماء وتقاوم روحه لساعات، وفى النهاية مات سابحا فى دمائه، فقرر الأخير الاستسلام للموت دون تعذيب روحه الضعيفة فى المقاومة، فمات فورًا.

حادثان فى أسبوع واحد، ضحيتهما طفلان لم يتجاوزا العاشرة من العمر، نتيجة إهمال وترهل وفساد فى المدارس الحكومية، مبان متهالكة، وعمليات ترميم وتجديد لا تتم، فساد ومخالفات قانونية وقلة حيلة وفقر، تحالفوا ضد يوسف القاهرى وأخيه يوسف المطروحى، فالثانى وفقًا للتقارير المبدئية توفى إثر سقوط بوابة المدرسة الحديدية على رأسه، ووصفت التقارير تلك البوابة بالمتهالكة لذا لم تحتمل شدة الرياح نظرا لتآكلها نتيجة قربها من البحر فسقطت على الطالب وتسبب الحادث فى وفاته، وصرحت مديرة المدرسة أنها تقدمت بالعديد من المذكرات إلى الإدارة التعليمية ومديرية التربية والتعليم حول سوء حالة البوابة، وأن المديرية استجابت وكلفت ورش مدرسة الصنايع بمطروح بعمل بوابة جديدة تمهيدًا لتركيبها خلال الفترة المقبلة، إلا أن بوابة المدرسة المتهالكة لم تتحمل شدة الرياح وسقطت على رأس التلميذ أثناء لعبه بجوارها وقت الفسحة.

هنا ذكرت المديرة لعب يوسف فى الفسحة بجوار البوابة المتهالكة ولم ولن تذكر بالطبع عدم التعجيل بتغير الباب نظرًا لحالته قبل بدء العام الدارسى وسقوطه على رأس تلميذ، ولن تتحدث عن مسئولية المدرسة ولو بتعيين خفير أمام البوابة يمنع الأطفال من اللعب بجوارها، تجاهل التقرير الأسباب الحقيقة وراء موت التلميذ يوسف زكى، وهى نفسها الأسباب التى تجاهلها تقرير الوفاة الصادر من مستشفى عين شمس التخصصى، والخاص بالطالب يوسف محمد والذى قال إن وفاته كانت نتيجة سقوط زجاج نافذة الفصل على عنقه، فأحدث جرحا قطعيا بالعنق وتهتك بالأوعية الدموية للعنق والرئة اليمنى والقلب وصاحب ذلك نزيف دموى، وتجاهل الفساد الذى حدث فى عملية ترميم وتأمين المدرسة التى أعلنت الجهات الحكومية أنه تم بأكمل وجه وتكلف مليونا ومائتى ألف جنيه، وهو ما لم يحدث بالأساس، وإن حدث فمن المستحيل أن يكون تكلف كل هذا المبلغ، وإلا فكيف سقط الزجاج، ولماذا رفضت المدرسة فى بداية العام الدارسى استلام المدرسة من هيئة الأبنية التعليمية المشرفة على عملية الترميم، وذلك وفقا لتصريحات جد الطفل، بحجة أن الترميم لم يحدث وإن حدث فلم يتكلف حتى 120 ألف جنيه وليس مليونا و200 ألف جنيه.

كما تجاهلت التقارير قلة الحيلة والفقر الذى يعيشه أولياء الأمور فى مصر الذى دفع أسرة يوسف ذى السبع سنوات بالتقديم له فى مدرسة أبوابها متهالكة، ودفع أسرة يوسف محمد للضغط على إدارة المدرسة ووصفها بالتعنت والتجبر لرفضها استلام المدرسة، حتى وإن حدث فساد بعملية الترميم، حتى لو كان استلام إدارة المدرسة لها على صورتها الحالية فيه خطر على حياة طفله، ولى الأمر كل ما ورد فى باله مستقبل ولده الذى يجب أن يدخل المدرسة مع بداية العام الدارسى، وأين سيذهب بيوسف سواء الأول أو الثانى إن لم يدخل كل منهما مدرسته، هل يستطيع تحويل أوراقه لمدرسة أخرى أم فات الأوان، هل هذه المدرسة ستكون قريبة من المنزل أم ستكلفه جنيهات إضافية فى المواصلات، هل سيذهب معه ويعود ليصطحبه أول وآخر النهار أم يتركه يتعامل مع الشوارع والمواصلات وهو طفل لم يكمل العاشرة من عمره، أسئلة إجابتها صعبة على ولى أمر عميت عيناه حتى عن الخطر الذى قد يواجهه أولاده وهو لا يبالى بسوى تعليمهم ومستقبلهم.

تجاهل تقرير يوسف محمد ذبيح مدرسة عمار بن ياسر إهمال طبيب المدرسة الذى تباطأ فى إسعاف الحالة وظل يمسح الدم من على رقبة الصغير دون أن يسعفه فورًا أو ينقله لمستشفى، كما تجاهل التقرير مخالفة القانون الذى قام به موظفو مستشفى المطرية لرفضهم استلام الحالة، وجشع إدارة مستشفى عين شمس التخصصى التى رفضت دخول الطفل إلا بعد دفع مبلغ عشرة آلاف جنيه تحت الحساب، وظل الضعيف ينزف، الثوانى تمر واحدة تلو الأخرى ولا تعود وقطرات دمه أيضاً تهدر على الأرض ولن تعوض، والأهل يحاولون جمع المبلغ لإنقاذ صغيرهم، وبعد أن تحول لونه وازرق جسده بالكامل قبلت إدارة المستشفى دخوله وفتحت له غرفة العمليات، بعد أن نزف الولد دمه ووهن جسده وأصبح جثة هامدة، دخل العمليات ومات.

فتحت المقابر لتحتضن الصغير يوسف ذبيح المطرية وبعد أقل من أسبوع احتضنت يوسف آخر فى مطروح، وتركونا هنا نحزن اليوم ونفكر فى حال أولادنا، ثم تمر الأيام دون محاسبة المسئولين وتغلق القضية وتنشغل الصحف والفضائيات بأخرى ويتواءم المجتمع مع أمراضه ويتعايش معها حتى يجد نفسه أمام يوسف آخر يكشف لنا أمراضنا وتذهب هى مطمئنة إلى جوار يوسف البنى لتشملهم جميعًا رعاية الله ورحمته فى جنة الرحمن.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة