أن تكون حركة تجديدية، فأحد معايير التجديد أن لا تفاصل المجتمع أو الأمة التى تجدد لها، لا يمكن لمجتهد أو مجدد أن يكون فى مواجهة أمته أو جماعته التى يجتهد لها، فإذا كنت مفاصلًا للجماعة أو للأمة التى تسعى من أجل إصلاحها وتجديد حيويتها وفهمهما، فأنت لست حركة تجديدية. إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها، والتجديد ليس معناه خلق جديد، وإنما إزالة الغبار عما خفى من فهم صحيح لهذا الدين، ومن ثم فإن الحركات التى تفاصل مجتمعها وتضع نفسها فى مواجهته هى حركات غير تجديدية. لقد تابعت سيرة الأئمة الكبار، الشافعى فى الرسالة، وأبو حنيفة فى تأسيس أصول مذهبه، والإمام العظيم مالك إمام المدينة التى لم يغادرها أبدًا، وهو من أسس لمفهوم الاستصلاح والاستصحاب والمصالح المرسلة وغيرهم، فلم أجد واحدا منهم وضع نفسه فى مواجهة الجماعة أو أهدر اعتقاد الجماعة واعتبرها خارج الفهم الصحيح للإسلام، بل إن ابن تيمية تحدث عن أن الحق لا يخرج عن مجمل الأمة كلها، فالأمة لا تجتمع على ضلالة.
الحركات المفاصلة لها علاقة قوية بمنهج الانقسام الرأسى فى الأمة وهنا سنجد الخوارج الذين كفروا عليا وكفروا مخالفيه معًا، وقد كانوا خيار الصحابة وخيار هذه الأمة، وهم من حملوا السلاح على الأمة وأسسوا لظهور تيارات الانقسام والتجزئة داخلها قبل أن يظهر الاستعمار الحديث، وقبل أن نتحدث عن مؤامرات التجزئة فى الأمة بالمعنى المعاصر. طبعًا الانقسام غير الاختلاف وحتى غير التدافع الداخلى داخل الحالة الإسلامية على المستوى الفكرى والمذهبى وعلى مستوى مجادلة الأفكار والتيارات، ومن هنا فإن الأشاعرة وتأويلهم والمعتزلة وحجاجهم وأهل الظاهر وحذرهم وأهل السنة وخياراتهم الفقهية، كلهم داخل مسمى الأمة، وكلهم لا يدخل فى معنى الانقسام. والإخوان المسلمين فى مصر حين وصلوا للسلطة كانوا جماعة دينية لديها قابلية للمفاصلة والمواجهة لمجتمعها كانت كامنة بداخلها، فلما وصلت للسلطة تحالفت مع عناصر لديها نفس القابلية للمواجهة من جماعات دينية وإسلامية، لو كان الإخوان تحالفوا كالوهابية مع قوة لديها خبرة فى الحكم والسلطة أو قبلوا بحلول وسط للسماح بالقوى التى تريد أن تشارك بالتواجد، لكان لهم شأن آخر بنفى عنصر القابلية الكامن داخلهم للمواجهة والمفاصلة.
ستجد بعد جماعة الفنية العسكرية، تنظيمات الجهاد والجماعة الإسلامية وهى تركز على فكرة الخروج على الدولة، لأنها لا تحكم بالشريعة، وهم لا يملكون القدرة الكافية، ولا يملكون الوعى الكافى بعنصر التحول فى المجتمعات، وهنا نفد صبرهم وواجهوا الدولة ووجدوا أنفسهم فى مواجهة مجتمعهم أيضًا، فالعنف يحمل فى داخله بذور فنائه، ولذا استخدام العنف فى مواجهة الأمة والجماعة لقسرها على منهج دينى من أعلى سوف يقود لحالة المفاصلة تلك. الجماعات الإحيائية أو التجديدية هى فقط تلك التى لا تقف فى مواجهة مجتمعها ولا الأمة التى تريد إصلاحها أو تغييرها، هى تجدد وتتراحم مع أمتها ولا تكفرها وتنفى وجودها الدينى ولا تعتدى على حياتها بتكفير أو عدوان مادى، من هنا فإن أى جماعة تريد العمل فى مجال الإصلاح الدينى عليها أن لا تقف فى وجه مجتمعها أو مفاصلته، وهذا لن يكون إلا بالتنصل من التنظيمات التى أسستها، فالعالم المعاصر لم يعد بحاجة لتلك التنظيمات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة