أحمد بان

من يحمل عبء التنوير فى مصر؟

الخميس، 16 أكتوبر 2014 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم تحظ كلمة بهذا الحجم من الجدل الذى حظيت به كلمة التنوير، ذلك المصطلح المسكون بالعديد من التحديات والصراعات، خصوصا فى مجتمع مثل المجتمع المصرى الذى بقدر ما يبدو على السطح مسالما وديعا، إلا أن باطنه يعتمل بصراعات متنوعة بين مكوناته الثقافية، ما بين مكون إسلامى حركى يجتذب قطاعات من الشعب سواء بالانضواء أو التعاطف والدعم، إخوانا كانوا أم سلفيين أم جهاديين بين قوسين، أو علمانيين مؤمنين بالعلمانية الشاملة أو العلمانية الجزئية وفق التقسيم الذى صاغه المفكر الراحل عبدالوهاب المسيرى، الذى حاول أن يؤكد على التمايز بين علمانية معادية للدين تقترب من النموذج الفرنسى والتى ينحاز لها قطاع من العلمانيين الأبرز فى المشهد الثقافى، وعلمانية جزئية تبدو متصالحة مع الدين وتسوق لعلاقة صحيحة بين الدين والدولة.

ويشير تاريخ المصطلح فى الغرب لبعض المعانى منها نشوء حركة ثقافية تاريخية قامت بالدفاع عن العقلانية ومبادئها، كوسائل لتأسيس النظام الشرعى للأخلاق والمعرفة والدين، ومن هنا نجد أن عصر التنوير هو بداية ظهور الأفكار المتعلقة بتطبيق العلمانية، رواد هذه الحركة كانوا يعتبرون مهمتهم قيادة العالم إلى التطور والتحديث، وترك التقاليد الدينية والثقافية القديمة والأفكار اللاعقلانية، ضمن فترة زمنية دعوها بالعصور المظلمة وهذه إحالة تجعل عصب الإسلاميين مكشوفا إزاء المصطلح وإزاء تلك
الحركة الفكرية التى تعبر عن مرحلة مهمة من تاريخ أوروبا الحديث فى القرنين 18 و19، قام بها الفلاسفة والعلماء، الذين نادوا بقوة العقل وقدرته على فهم العالم وإدراك ناموسه وقوانين حركته، اعتمد التنويريون على التجربة العلمية والنتائج المادية الملموسة بدلا من الاعتماد على الخرافة والخيال، وكان من أهم أعلام التنوير، فرانسيس بيكون، المحامى الإنجليزى الذى طالب بالاعتماد على منهج علمى جديد يقوم على أساس من التجربة، وبشّر بيكون بحالة جديدة تتحقق فى المستقبل، عندما تصبح المعرفة مصدر القوة التى تمكن الإنسان من السيطرة على الطبيعة، كذلك إسحاق نيوتن عالم الرياضيات الذى قال بأن العالم يسير حسب مجموعة من القواعد الطبيعية تحكمها قوى عوامل الجاذبية، وأكد نيوتن أن فى استطاعة الإنسان إذا اعتمد على نور العقل تفسير الظواهر الطبيعية وإدراك دوره فى العالم المجهول.
هذا السياق التاريخى قد يبدو مهما فى فهم المصطلح الذى يستقبله الوعى الجمعى لمجموعات الإسلام الحركى بقدر كبير من التوجس، حيث يؤمن معظم الإسلاميين وجمهورهم بطبيعة الحال بأن كل مصطلح يستدعى سياقه ومفردات عالمه، وبالتالى يعتقدون أن العلمانية جزئية كانت أم شاملة هى مقدمة لسلخ الأمة عن دينها وجذورها وطمس هويتها لحساب هوية أخرى، تحت دعاوى العقل وحريته.

إن النظر لطبيعة المكونات المجتمعية مهم فى النظر لقضية التنوير، التى كان لغياب التراكم فيها والانقطاع التاريخى لجهودها أثر فادح على واقع هذا البلد، وقلنا فى السابق، إن العقل والوجدان المصريين تركا على قارعة الطريق لعقود يعبث بهما العابثون فى ظل غياب جهود حقيقية للتنوير منذ أربعة عقود بالضبط منذ العام 1974 مع غياب المشروع الوطنى.

ومع ذلك فإن أى جهد للتنوير فى هذا المجتمع يمر عبر تجاهل مكوناته واختياراتها الجمعية لن ينجح، لذا يبرز سؤال من يصنع التنوير؟ هل مجموعة التنويريين المعروفة بخصومتها التى تتجاوز الإسلاميين إلى الإسلام ذاته؟ أم المتطرفون على الجانب الآخر من النهر أو البحر؟ بالطبع لا فقط القادرون على التنوير من تحرروا من وهم الخرافة ووهم العقل الكامل، العقلاء من الجانبين من يعتقدون فى العقل والنقل معا، من يقرنون التجربة البشرية مع الوجدان مع وحى السماء فى انسجام وتكامل يصنع الإدراك الصحيح وهذا ربما ما تنبه له جمال عبدالناصر فى تجربته التى لم يكملها أحد حينما حدد دوائر الأمن القومى فجعلها عربية أفريقية إسلامية، بما تستدعيه من مكونات ثقافية تنسجم مع هذا التصور، لذا كانت إصدارات وزارة الثقافة تعبيرا عن سبيكة هذا التناغم سواء فى الإصدارات الدينية أو الفكرية.

إن المجموعة الأقدر على تلك المهمة الآن هى المجموعة التى تضم المفكر الإسلامى مع العلمانى المستنير الذى لا يعادى الدين بل يضعه فى المكانة الصحيحة له، إن جريمة تيارات الإسلام السياسى يجب ألا تدفع البعض لمعاداة الدين ذاته، والذى سيبقى مكونا أصيلا فى ثقافة هذا الشعب، ومن ثم يجب ألا تترك مهمة التنوير لفريق من العلمانيين دون الإسلاميين، أو اختيار إسلاميين منتحلين يلعبون دورا لحساب البعض، على حساب المستقبل الذى لن يمر عبر الإحن والخصومات بل التسامح والاستنارة وتغليب المصلحة العليا لهذا الوطن، أتصور كتيبة تضم مفكرى هذا البلد من كل التيارات، مع ممثلين لكل الأحزاب السياسية الحقيقية مع عمداء الجامعات المصرية وقادة الرأى والفنانين، يكونون مجلسا من الخبراء يضع استراتيجية التنوير التى تضع خارطة طريق تصيغ الشخصية المصرية التى افتقدناها، المسلحة بالوعى الذى يحصنها ضد التطرف ويجعلها على صلة إيجابية بالعالم الذى يتحرك وهى واقفة فى مكانها، لا لنستعيد حالة الريادة المفقودة، بل بالأحرى لنستعيد مكاننا كبشر فى الأسرة الإنسانية التى ما زالت تنتظر عودتنا منذ عقود.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة