من أول السطر.. أنا ضد فكرة الاستعانة بشركات الأمن الخاصة فى الجامعات وغيرها من الهيئات الحكومية والعامة، فلو انتشرت على نحو واسع قد نواجه مخاطر كبيرة، تهدد أمن واستقرار البلاد بسبب صعوبة السيطرة على نفوذها، ففى مصر الأمن هو الأمن يمثل الدولة، ويعكس مدى قوتها وهيبتها واحترامها للقانون والالتزام به، ويكفى التجربة فشلا مبكرا حين انسحب حراس شركة فالكون أمام طلاب الجماعة الإرهابية، مخلفين وراءهم موجات من السخرية والتنكيت، على نحو يمس صورة الأمن وليس الشركة وحدها، ولم تتم السيطرة على الموقف إلا بتدخل الشرطة وحسمها للانفلات.
الفكرة عشوائية من بدايتها، والدليل هو لماذا فالكون بالذات دون غيرها من الشركات المماثلة؟، وعلى كوبرى أكتوبر ظهرت لوحات إعلانية كبيرة، تعلن عن شركات حراسة خاصة أخرى، بما يعنى أنه نشاط آخذ فى التوسع، دون مظلة قانونية تحكم عمل هذه الشركات، فماهو الإطار القانونى الذى يتيح لها سلطة التفتيش والضبط على البوابات، وهل هى «ضبطية قضائية» دون نص قانونى، أم «ضبطية ودية»، أساسها رغبة المجتمع فى تطهير الجامعات من ذيول الجماعة الإرهابية، التى تستهدف تخريب مؤسسات الدولة وإفساد العملية التعليمية؟
فى الحالتين فإن مهمة تحرير الجامعات المصرية أكبر بكثير من فالكون وأخواتها، ولا يصح أن يتولاها إلا جهاز الأمن المصرى، بعد تخليصه من بدعة عدم دستورية الحرس الجامعى، التى جاء حكمها فى ظروف مغايرة تماما للأوضاع الأمنية الحرجة فى الوقت الراهن، والداخلية نفسها بدأت تجارب أكثر فاعلية وانضباطا، سواء فى إدخال نظام قوات الانتشار السريع أو الشرطة النسائية التى تحمى مدارس البنات من المتحرشين، ومن الطبيعى أن تعمم هذه التجارب خارج أسوار الجامعة وعلى البوابات، بقوات خفيفة وسريع ورشيقة ومدربة تدريبا عاليا، لتحل محل قوات الأمن التقليدية، وتختفى سيارات الأمن المركزى الضخمة التى تسد الشوارع، ومادامت الدولة تدفع الملايين لفالكون، فمن الأولى أن تخصصها لدعم شرطة حماية الجامعات.
خصخصة الأمن عملية خطيرة فى ظل حالة السيولة التى تشهدها البلاد، واختراق الأمن الخاص، ممكن ومغر لجماعة إرهابية تحاول اختراق الدولة، ولو من خرم إبرة، علاوة على أن مراقبة عناصر هذه الشركات والتحرى عن أفرادها - اذا ما تم التوسع فى هذا النشاط - يحتاج جهاز أمن وطنى كاملا، ولا يصح أن نستنسخ تجارب دول أخرى لا تعانى ما نعانيه، ومعلوم تماما أن الدول المتقدمة التى تطبق هذا النظام، ليس فى جامعاتها خلايا للجماعة الإرهابية، ولا طابور خامس ولا متعاطفين وممالئين ومتحالفين سرا وعلنا مع الإخوان، ولا يصح القياس عليهم واستيراد منتجهم، فالأمن ليس سندوتشات هامبرجر بالخلطة السحرية.
منظومة تأمين الجامعات المصرية قوامها خطة شاملة، تخرج من مجلس الوزراء، وعناصرها القبضة القانونية الحازمة، وإعلام جرىء يستنهض روح 30 يونيو فى نفوس الطلاب والأساتذة، الكارهين للعنف والإرهاب، ويجعلهم قوة ناعمة وخشنة، تعزل العناصر المخربة وتحمى الطلاب المحايدين والمتعاطفين من الوقوع فى براثن المخربين، وتعلى شأن الدولة المصرية التى تحكم بهيبتها وليس بعساكرها، ومن شاهد حجم التظاهرات التى نقلتها الفضائيات، يجب أن يدرك أن الخطر ليس قليلا ولا يجب التهوين منه، ولا يمكن مواجهته ببدعة فالكون التى فر عناصرها مفتولو العضلات أمام هجوم الهمج، فظلموا أنفسهم.. وظلمونا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة