هل كانت أم كلثوم بوقاً للحاكم؟ أم كانت صوتاً للشعب؟
هل استغل حكام مصر الحنجرة الذهبية للسيدة الأولى فى الترويج لهم والتسبيح بحمدهم؟ أم أن كوكب الشرق كانت تعبيرًا صادقًا عن روح ملايين المصريين والعرب؟ ثم هل تمكنت صاحبة «رق الحبيب» من صنع مسافة بينها وبين الحاكم خاصة إذا كان من المستبدين؟ أم أنها انصاعت له ونفذت أوامره؟ ثم كيف صاغت علاقتها بزملائها من الفنانين والمطربين والكتاب؟
كل هذه الأسئلة وغيرها عشرات يجيب عنها الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ سعيد الشحات فى كتابه المدهش «أم كلثوم وحكام مصر»، حيث يبدأ سعيد رحلته مع صاحبة «الأطلال» منذ نشأتها الأولى.. يتقصى وينقب.. يسأل ويستفسر.. يفتش ويحلل حتى يصل إلى أجوبة يطمئن لها ضميره البحثى وذائقته الفنية.
أنت تعرف بطبيعة الحال أن أم كلثوم ولدت عام 1902 تقريبًا، فى عصر الخديو عباس حلمى الثانى «1892/ 1914»، وبدأت الغناء فى عهد الملك فؤاد «1917/ 1936»، ونالت نيشان الكمال من الملك فاروق «1936/ 1952»، ثم شدت للثورة بقلبها فى زمن عبدالناصر «1952/ 1970»، وأحيت بغنائها فى أواخر سنواتها حفل زفاف ابنة الرئيس أنور السادات «1070/ 1981». كل هؤلاء الحكام مروا على نافذة كوكب الشرق، وسعيد الشحات يتابع الخيوط الرفيعة التى تربطها بهم بدأب وصبر؛ محاولًا نسج خريطة للزمن والذوق لنعرف ماضينا، فنفهم حاضرنا ونستشرف مستقبلنا.
فى هذا الكتاب البالغ الأهمية اتكأ المؤلف على عشرات الكتب والدراسات والدوريات التى تتناول تاريخ مصر والفن بامتداد القرن العشرين، فضلاً على العديد من اللقاءات الشخصية مع أناس عملوا مع أم كلثوم والتقوا بها، مثل الملحن طيب الذكر كمال الطويل، والهدف فى النهاية رصد حالة استثنائية فى تاريخ مصر والعالم العربى.
أجمل ما فى هذا الكتاب المختلف أن سعيد الشحات غاص فى فن أم كلثوم مكتشفًا أسراره وتفرده، وكيف كانت تتعامل مع ملحنيها وكتاب أغانيها، وقد وُفق المؤلف كثيرًا حين استعان بحوارات خاصة أجراها مع عمار الشريعى كى يضىء لنا الجوانب المهجورة فى علاقة صاحبة «شمس الأصيل» بفنون الغناء وتطورها.
أرجو ألا تحسبن أن الكتاب تمت صياغته بلغة رقمية جافة أو بأسلوب إحصائى منفر، لا.. فسعيد الشحات يمتلك من مهارة الأسلوب الكثير والكثير، لذا جاء الكتاب فى عبارات حلوة.. رشيقة.. لا اضطراب فيها ولا غلو، ينتقل بك من زمن إلى عصر، ومن أغنية إلى أختها، ومن حكاية إلى أخرى بسلاسة آسرة، وأناقة لغوية فاتنة.
يقول سعيد الشحات: «سيرة هذه السيدة هى سيرة وطن فى مراحل تاريخية امتدت لعشرات السنوات فى القرن العشرين، وشهدت هذه السنوات تحولات هائلة فى المسارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفنية، وانتقلت مصر والمنطقة العربية من حال إلى حال، ولم تكن أم كلثوم بعيدة عن كل هذا، بل انغمست انغماسًا مباشرًا فى أحداث وتفاعلات سياسية هامة أكدت على تمازج الفن والسياسة».
حقا.. لقد كانت أم كلثوم مرآة عصر ومستودع فن، فإذا كنت من عشاقها مثلى فأنصحك بالاطلاع على كتاب سعيد الشحات «أم كلثوم وحكام مصر» فى طبعته الثانية عن دار جزيرة الورد لتتعرف إلى زمن صاحبة أنصع سمعة فى تاريخ الغناء العربى، ولتدرك سر عظمتها حتى الآن.
شكرًا يا سعيد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة