أغرتنى مقالات الأديب والكاتب الصحفى الرائع، ناصر عراق، لمطالبة الرئيس القادم، تنفيذ عدد من أولويات ملحة، تكاد فى مجموعها، ترسم ملامح مشروع نهضة حقيقيًا، ليس كمشروع نهضة المعزول، الذى وصفه بمؤتمر انتخابى "قبل العز وأكل الأوز" بأنه طائر له عنق وجناحان ومؤخرة، أى "زلموكة" بالعامية!
أغرتنى المقالات، بما فيها من أحلام وطموحات، بأن أتقدم بمطالبى "هى جت عليّا"، خاصةً أننا فى أزهى عصور الديمقراطية، حيث الحرية بلا سقف، والنقد مفتوح على مصاريعه، فلا تخوين لمعارض، ولا تشويه لسمعة مخالف، ولا زوار فجر، ولا اعتقالات عشوائية.. ألا تكبرون؟!
سيسارع ذوو الغرض إلى تصنيفى متهكمًا ساخرًا، وقد ينهرنى أحدهم قائلا: "اسكت.. أما ترى أن الدمية "أبله فاهيتا" قيد التحقيق، وثمة قانون للتظاهر وآخر للإرهاب، ومصر تحارب مؤامرة دولية، والوقت ليس مناسبًا لأن تطلب إلى الرئيس "غير المعلوم حتى الآن" شيئًا، فقد يساوره ضجر أويكدره مزاجه غضب، وإن الرئيس إذا غضب، لا تسألن عن السبب.. صهٍ يا هذا ولا يستخفنك الطرب، وأحسن القول والأدب، كيما تكون عبرةً، للعجم والعرب".
على أنى رغم احترامى لنصيحة الناصح، الذى أحسبه مخلصًا، لن أجد مشقة فى الرد عليه، بلسان السلطة "الرسمى"، التى لا تكل، عن تكرار أن أى اعتداء على الحريات، محض تجاوزات فردية، تخالف التوجه العام للدولة، التى تؤكد بإصرار، أن يناير ثورة حريات نقية بيضاء تسر الناظرين، وليست مؤامرة، والشباب الثائر فى "القلب والعين".
هذا هو الرد على كل من توسوس له نفسه الأمّارة بالسوء التشكيك، فى كلام الحكومة، فإذا هز رأسه سمعًا وطاعة، فقد كفاه الله شرًا، ونجاه من مواضع الزلل، أما إذا أشاح بوجهه، وصعّر خده رفضًا، ومط شفتيه استنكارًا، فإننى انطلاقًا من أن "مصر العزيزة لى وطن، وهى الحمى وهى السكن" سأطلب محاكمته بتهمة "النيل من الذات الحكومية"، وربما أوعزت إلى محامٍ عاطل، ممن يفتعلون الصخب، أن يتقدم ببلاغ ضده إلى القضاء الشامخ، لاتهامه بالتآمر على الأمن القومي، وبأنه طابور خامس أوخلية نائمة، وقد يجد بعدئذٍ، مكالماته الشخصية، مبثوثة على الفضائيات، لفضحه و"شرشحته".. وآه يا عميل يا خائن!
ما علينا.. وعودًا إلى مطالبى للرئيس القادم، فأبرزها أن ينظر بعين العطف، إلى أنى صحفى، أموت مختنقًا، ما لم أمارس النقد، حتى النهايات، وقد يكون قلمى سليطًا، ربما لأن أهلى لم يحسنوا أدبى، أو لأنى أقتفى مقولات فلسفية ما على شاكلة: "خلقت لأعترض".. أو لأنى لا أحسن قرع الدفوف، ودوران الدراويش، ممن يُحنجلون فى زفة الحاكم، ويحرقون البخور تحت رجلى كل ذى سلطان.
والراجح أن الله عز وجل قد فطرنى على هذا النحو، وليس لمخلوق قولا أوإرادة فى "خلقة ربنا"، كما أننى مصاب بحساسية مزمنة، إزاء المديح عمومًا، حتى أنى رغم شغفى بالشعر الجاهلى، أتحاشى أبيات المديح، وما أكثرها فيه، وأزدرى "المدّاحين" قاطبةً، وأراهم طحالب ضارة، تسحب من الأوطان أكسجين الحرية، وتزفر الغازات الخانقة السامة.
طلبى الأول للرئيس القادم، أن يتحمل ما تخط يدى، ويتسع صدره لواقع أن قلمى سيكون عليه، فى كل الحالات، فإذا أفلح وأصلح، سأنتقده طامحًا إلى المزيد، وسأنقب تنقيبًا عن "الهنّات الهيِّنات"، فأسلط الضوء عليها فأفضحها، فيقوّم الاعوجاج، فلا أشكره لأن هذا واجبه، أما إذا أساء وعاث فسادًا، فسأهاجمه هجومًا لا هوادة فيه، وسأدعو لخلعه أو عزله، ثم إيداعه فى ليمان طرة كسلفيه.
هذا هو طلبى الأول وربما الأخير، من الرئيس، الذى أبدًا لن يكون واحدًا قهارًا، بعد ثورة ثمنها دم ودموع، ووقودها رغبة الملايين فى تحطيم التابوهات.
إن مصر ومطالب ثورتها، هى ما بينى وبين الرئيس، ومهما اجتهد فأصاب فأفلح، يبقى كل كثير على مصر قليلاً.. بل أقل من قليل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة