محمد منير

ثورة الشعب التائه

الأحد، 26 يناير 2014 08:32 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ساذج من يتصور أن النظام الذى حكم هذا البلد أكثر من ثلاثين عاما، بالحديد والنار والانتهاكات والظلم والنهب والسلب، يمكن أن يزول بانتفاضة شعبية أو ثورة انفعالية غير مدروسة.. وساذج أيضا من يتصور أن عمق هذا النظام يمتد فقط عبر ثلاثين عاما.
ما حدث فى يناير 2011 كان متوقعا ليس من المعارضين للفساد والطغيان والظلم، إنما كان أيضا متوقعا من الطغاة أنفسهم، ولهذا فقد كانوا مستعدين بالبدائل لهذه اللحظة.

والأنظمة يا سادة لا تربط استمرارها بأشخاص أو مجموعات ضيقة، ولهذا من يتصور أن سقوط شخص أو مجموعة يعنى زوال نظام، غافل غير مدرك للواقع.
فى 2011 عندما أيقن النظام السابق «والحالى»، مدى الغضبة الشعبية عليه، بدأ مبكرا خطته البديلة ولنقل بدأ فى نصب «الفخ» الذى أوقع فيه المصريين، ليظل طوال الوقت محافظا على وجوده ومصالحه، وكانت الخطوة الأولى بإشاعة الفرقة بين الجماهير الغاضبة، فوجه خطابا احترافيا مدروسا للشباب أعلى فيه من ذواتهم، وانتقص من قيمة الفئات العمرية الأخرى وجهادهم وأغراضهم وخبراتهم، واستغل طبيعة هذه المرحلة العمرية التى تميل إلى البطولات والتشويق والتعالى فأعلى من هذه الذوات بمبالغة، وكان الغرض تفريغ الغضبة الشبابية من أى محتوى وأى هدف لتتحول إلى حالة انفعالية فارغة، ولهذا كان لابد من فصل الشباب عن أى جذور تاريخية لهم وخبرات تثقل من غضبتهم وتحول ثورتهم إلى رياح قوية تسقط النظام، ونجحت المرحلة الأولى إلى حد كبير حتى فقد الشباب الثقة فى كل القيادات التاريخية، وتعالى على الخبرات السابقة، بل وصل الأمر إلى اعتقاد البعض منهم أنه ليس هناك تاريخ لمصر قبل 2011، مستندا على تصور بأن الشباب نجحوا فى إسقاط النظام الذى فشلت الأجيال السابقة عليه فى إسقاطه، مغفلا كل النضالات والتضحيات التى بذلتها الأجيال السابقة عليه مكونة البنيان التراكمى التاريخى والذى بدونه لا تنجح أى ثورة.

وبدأت المرحلة الثانية بتثبيت الموقف وتحويل النظر إلى مطالب تبدو فى ظاهرها ثورية وفى باطنها فراغا يبعد النظر عن أى تغيير يهدد النظام القائم، وتم استغراق الشعب الغاضب فى قضايا الثأر، والانتقام وحقوق الشهداء، وافتعال مشكلات تارة مع الجيش وتارة مع الشرطة بتناغم بين كل هذه الأجهزة، ومن خلال هذه الحالة بدأ التناحر بين الفئات السياسية المختلفة وامتدت هوة الوقيعة من الفئات العمرية إلى الاتجاهات السياسية، وتم تصعيد كل المطالب الفئوية فى وقت واحد بحرفية شديدة، لخلق حالة من التوتر تتحول بعد ذلك إلى مبرر لقرار ما على نحو ما سنرى.
ونتوقف قليلاً لنتساءل: لماذا لم تطل رياح التغيير القشرية رموز الإعلام فى النظام السابق، واستمروا فى موقع المتحدث الرسمى للثورة، رغم كونهم جزءا ليس بسيطا من النظام المستهدف الثورة عليه، والإجابة واضحة، لأنهم بالفعل جزء من النظام السابق الممتد وهم الجزء الرئيسى الذى سيروج للخطة البديلة للبقاء على النظام والحفاظ عليه وتحويل الطاقة الجماهيرية لحلقة الاستدارة للخلف والعودة إلى النظام السابق بشكله الجديد باعتباره الحل الوحيد لإنقاذ البلاد واستقرارها.
إلا أن إشكالية كبيرة قابلت مخطط الحماية «الفخ»، وهى كيفية استيعاب الرغبة التاريخية فى إقامة حكم مدنى ديمقراطى فى مصر، وهو ما يتعارض بقوة مع طبيعة النظام المتحكم والهادف لإنقاذ نفسه.

وحانت لحظة الانتخابات الرئاسية، وكانت المرحلة الثالثة حيث وجد قادة «الفخ» ضالتهم المنشودة فى أصحاب الأفكار الفاشية الدينية، رغم تصور البعض أنهم أكثر خطورة على النظام، إلا أن طبيعتهم الفاشية وطبيعة تكوينهم تجعلهم أقرب للنظام المستبد وتجعل منهم أداة مثالية لتثبيته، وببراعة شديدة تم الإعلاء من تواجد أصحاب الاتجاهات الإسلامية السياسية، وإيهامهم بالصعود والسيطرة وأنهم القوى الوحيدة المؤهلة للحكم، وعظموا أوهامهم القديمة بسيطرة جماعاتهم على مصر وتحقيق مصالحهم الجماعية والفردية، وهذا ما يفسر شهور التحالف بين عناصر أمن الدولة القديمة وعناصر الإخوان فى كثير من المؤسسات وتمكينهم من قيادتها ومنها نقابة الصحفيين، وكان نظام الجبروت يسير بخطته الممنهجة معتمدا على وجود مفاتيح هذه الجماعات فى يده.

واستمرت الخطة للوصول إلى هدف محدد فى النهاية وهو القضاء على فكرة الحكم المدنى.

وفى خط موازٍ شهدت شهور ما قبل الرئاسة حالة من الانقضاض على الرموز السياسية المدنية والاتجاهات الأيديولوجية الليبرالية، وفى نفس الوقت ترك الحبل للصعود باتجاهات الإسلام السياسى، ومساعدتها بكل أدوات الفساد السابقة للوصول فى النهاية لسدة الحكم غير مستندة إلا على أوهام لا تسمن ولا تغنى من جوع بثها النظام داخلهم وأعلى منها.

وقعت كل الأطراف فى الفخ، وصدّق الإخوان أنهم قبضوا على أركان الحكم وبدأوا مخططا مبكرا للتمكين الكامل، واستبعاد المعارضين لهم حتى من أصحاب الاتجاهات السياسية الإسلامية الأخرى، مدفوعين بشهوة الحكم التى غذاها لديهم ممثلو النظام السابق والقائمون على الخطة، بينما غرقت القوى المدنية فى خلافاتها المتواصلة، والشعب تائه فى البحث عن معنى للثورة.

وجاءت المرحلة الرابعة والأخيرة وظهر دور رموز الإعلام الثابتين فى مواقعهم للكشف عن خلل نظام حكم الإخوان وخطورته على البلد مستغلين غباء الحكم الإخوانى وفساده وغروره، وبالطبع كان لابد من تحالف القوى المدنية الأخرى مع هذه الحملة الإعلامية بصرف النظر عن الاختلاف فى الهدف النهائى، وانتهى الأمر باستجداء الشعب العطف من الجيش والتدخل للتخلص من حكم الإخوان حتى وصلنا لمرحلة «تسلم الأيادى».
الأمر لم ينته عند هذا الحد، فالمشهد الذى تم تصديره إعلاميا ووجدانيا للشعب المسكين الذى عاش ويلات ما بعد الثورة لم يستند على تصدير فكرة فشل حكم الإخوان، وإنما استهدف التأكيد على فشل الحكم المدنى بكل معانيه، وأن الجيش والنظام العسكرى هو الأصلح لحكم مصر والأنسب لإخراجها من أزمتها، وبالطبع لا تعارض بين حكم الجيش ورموز ومصالح النظام القديم.

وقع الجميع فى الفخ وشاركوا فيه.. الإخوان بغرورهم وفسادهم، والقوى المدنية بضعفها وانهيارها، والشعب بثورته الانفعالية دون وعى ثورى.. هذا الوعى الذى فقده الشعب عبر النظم السابقة لأسباب كثيرة يمكن مناقشتها فى موضوع منفصل، وبهذا فإننا فى مأزق حقيقى لا يستعصى حله، وإنما يحتاج إلى تحليل وتفكيك لأسباب المشكلة بدوافع صادقة حقيقية منزهة عن أى أغراض لأفراد أو جماعة أو مؤسسة أو فئة.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة