محمد فودة

محمد فودة يكتب.. انتقلت إلى جوار ربها.. من كان الله يكرمنى لأجلها!

الإثنين، 30 سبتمبر 2013 10:23 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لم يكن للموت نافذة يطل بها على أمى المريضة.. لكنه أيضًا لم يفاجئنا.. فقد كنت أترقبه بين الحين والحين كابوسًا يطاردنى قبل أن يطاردها.. إلا أننى برغم هذا وذاك.. كنت أعرف أن الموت بعيد.. لم أكن أتخيل أن الموت برغم رهبوته يقوى على أمى التى هى كل كيانى.. وهى التى تحمينى وترفع دموعها إلى السماء من أجلى، حين تهبط فى كفيها الدموع تصير لؤلؤاً براقًا أرى فيها كيف تأسرنى بحنانها.. أرى فيها الإيمان وهى التى بدعائها تجعل الملائكة تخفض بأجنحتها زلاتى وترتفع بى إلى حيث التوبة حيث ساحة الخلود العلوى.. أمى التى لا أنسى أبداً صلاتها لى وأنا فى محنة حيث وقف ضدى الحاقدون يرمون السهام فى صدرى الأعزل ولا حيلة إلا أن أركع لله طالبًا السند والعون.. وكانت أمى حيث تبكى تنقلنى من الشك إلى اليقين، فإذا بى أرى نفسى فوق جبل السلام النفسى وأحس وقتها فقط بحالة النفس المطمئنة التى وعدنا بها الله سبحانه وتعالى.. كانت أمى قادرة على تحويل دمعى إلى قوة وثبات، وتحويل الأصفر الشائخ فى حياتى إلى خضرة ممتدة، وتبديل الصحراء إلى واحة من الماء العذب.. ماتت أمى.. ولم أصدق.. نظرت طويلاً إلى عينيها لعلهما تردان لى السلام ولم أصدق.. ذهبت أمى إلى السماء إلى حيث الخلود إلى حيث الراحة، إلى حيث أختى الراحلة التى كنت أحسها أمى الثانية.. وقلت: يا الله كيف ذلك؟ كيف يمكن للروح الطاهرة أن تغادر هذا الجسد الطاهر بكل هذه الوداعة كأن الله يجعل من كل شىء فى هذا الكون سراً مغلفًا بالقدسية والنورانية، أعرف أن الله عز وجل قد رحم أمى ولم يشأ أن يطيل أيام المرض عليها فغادرت الروح سريعًا.. ولكن وراء هذا المصاب أراد الله أن يخفف عنى ففوجئت بمشاعر الحب الجياشة من أهل بلدتى زفتى خرجوا على قلب رجل واحد وكانوا حولى كأنهم يحملونى فى عيونهم، الأهل والأصدقاء والأحباب كانوا فى عزاء أمى كالبنيان المرصوص صدوا عنى كل حزن وأحسست وأنا أتلقى عزاءهم من أهلى بمدينتى زفتى وقراها.. أن كل واحد منهم قد صار توأما لى.. هذا الحب الجارف لن أنساه ما حييت.. فهو الحصانة التى بها احتميت ضد الأفكار المؤلمة والذكريات.. مشهد لن تمحوه ذاكرتى أبداً.. ثم بعد أن هدأ الجو وانصرف الأحباء بعد العزاء.. دخلت غرفة نوم والدتى فوجدت صورى وأنا صغير تحتفظ بها فوق سريرها.. أحلى ذكريات! استجمعتها فى ثوان.. كل الدنيا كانت فى كفى وفى قلبى فى هذه الأوقات التى أحسست أن لا شىء فى الدنيا مهما كان يمكنه أن يكون عوضًا عن أمى.. اليوم أحس أن عملى هو فقط فى الدنيا الذى يمكنه أن يكون بينى وبين الملائكة وبين الله سبحانة وتعالى، عملى فقط هو الذى سيشفع لى.. وأن العمل الصالح هو الرسالة الباقية وهو الدرس الذى علمته لى أمى وبدأت فى استيعابه بعد رحيلها.. فارحمنا يا أرحم الراحمين.. و«يا أيتها النفس المطمئنة ارجعى إلى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى».. صدق الله العظيم.. يا الله يا أرحم الراحمين، إن كنت قد شئت وسحبت روح أمى.. فهذه إرادتك ومشيئتك.. فألهمنى الصبر على فراقها.. فالفراق سقم.. والله إنى على فراقها حزين.. يا الله أسكنها روض الجنة فى الملأ الأعلى واجعل سكناها الأبدية نوراً وبهاءً وسكينة روح.. اجعل من هذه النفس العفيفة مساحة من الطمأنينة.. يا ربنا العظيم اغفر لها واصفح عن كل ذنوبها، واغسل ثوبها الأبيض من بعض الزلات والهفوات.. واجعل ميراث الحب الذى كان يملأ كيانها، فى ميزان حسناتها بشفاعة خاتم المرسلين.. فأنت السميع العليم.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة