محمد الدسوقى رشدى

زمن الخطوط الحمراء!

الإثنين، 30 سبتمبر 2013 09:52 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان مبارك لا طيب الله له مرتبة، ولا أراح له «رقدة» هنيئة فوق سرير، كلما حدثه أحد عن الحريات وحق المواطن المصرى فى المعرفة، يرفع شعار الحفاظ على الأمن القومى، حتى ظننا جميعًا أن وجود مبارك لمدة 30 سنة حاكمًا لمصر هو فى حد ذاته تنازلًا من الرجل للحفاظ على الأمن القومى.

وكان مبارك ومازال الباقون من أبناء مدرسته يستخدمون نفس المصطلح «الأمن القومى» كلما حدثناهم عن الحريات، أو قوانين الطوارئ، أو حق المواطن فى المعرفة، دون أن يمنحنا أحد تعريفًا واضحًا للأمن القومى، أو للخطوط الحمراء التى لا يجب أن نتجاوزها حفاظًا عليه، وكأن القدر قد كتب علينا أن نكتم أنفاس أحلامنا فى الحرية والشفافية، لأن السلطة احتكرت لنفسها حق تعريف الخطوط الحمراء للأمن القومى، وبالتبعية لهذا الاحتكار نغرق جميعًا فى حيرة تحديد مستوى سقف مطالبنا، وننسى رحلة تنفيذ وتحقيق هذه المطالب، بل ونبدأ الجهاد فى تنفيذها من مرحلة ما قبل الصفر.. مرحلة إقناع المواطن البسيط بأن الحق فى المعرفة والشفافية والحريات قيم أخلاقية وسياسية تؤسس لأوطان ناهضة ولا تتناقض أبدًا مع الأمن القومى للبلاد والحفاظ عليه.

ولأن التكرار ليس بضرورة وسيلة لتعليم الشطار أو غيرهم كان من الطبيعى جدًا أن تمر رياح الثورة على الأرض المصرية دون أن تجرف أو تعرى تلك العقول التى تمكن منها فيروس مبارك، سواء العقول التى تسلمت السلطة فى زمن الإخوان، أو العقول التى تقود السلطة الآن فى زمن ما بعد 30 يونيو..

لم يتعلم أحد، ولم يفهمها أحد.. لم يفهموا أن لعبة الحفاظ على الأمن القومى والخطوط الحمراء التى سعى مبارك لاستخدامها كلما طالبته المعارضة بشىء لم تنفعه، وفشلت فى حمايته من غضب الجماهير فى 25 يناير، مثلما لم تنفع محمد مرسى وفشلت فى حمايته من غضب الجماهير فى 30 يونيو، رغم إصراره فى كل حديث أن يخبر المواطن أنه يرى ما لا يراه الآخرون فى ترجمة إخوانية للعبة الخطوط الحمراء الخاصة بمبارك..

حكومة الببلاوى والمجلس العسكرى والرئيس عدلى منصور لم يستوعبوا الدرس.. لا درس مبارك ولا درس مرسى، ومستمرون بكل بساطة فى رفع شعار الحفاظ على الأمن القومى، كلما سألهم أحد عن جدوى قانون الطوارئ، أو استمرار حظر التجول، أو رفض نشر مذكرات سامى عنان، أو منع الصحفيين من مزاولة عملهم فى سيناء، أو داخل بعض لجان لجنة الخمسين لتعديل الدستور، السلطة الحالية لم تخجل أصلًا من الإعلان عن إعادة ضبط مواد قانون الجمعيات الأهلية حتى لا يضر بالأمن القومى، ولم تخجل أصلًا من الإعلان عن تمرير مشروع قانون التظاهر للحكومة بنفس روح المشروع الإخوانى، الذى كان يضع شروطًا تعجيزية للتظاهر بحجة الحفاظ على الأمن القومى، الذى هو كما قال الفريق السيسى، ومن بعده ردد المغردون خط أحمر لا يجاوز الاقتراب منه..

وقبل أن أحدثك عن أسطورة الخط الأحمر فى أروقة السلطة المصرية، هل يجوز أن نضع بعضًا من الكلام فى أذن الرئيس عدلى منصور، والدكتور الببلاوى، ومن يقف بجوارهم من قيادات الجيش؟!

«يا سادة أروقة السلطة، والله العظيم تلاتة، وحياة النبى الكريم، وبركة سيدنا الحسين، وستنا مريم، اللى حصل فى مصر من سنتين كانت ثورة، ولما محدش فهم إنها ثورة اشتعلت تانى فى 30 يونيو، والثورة يعنى تغيير مش تعديل، الثورة يعنى عقول جديدة رافضة، أى ترميم أو تجديد لما هو قديم، والشعب بعد أى ثورة مش هيتنازل عن حقه فى المعرفة، وحقه فى الديمقراطية، والمسكنات بتاعة أصل الأمن القومى، أصل ده خط أحمر، لا تجدى نفعًا مع شعب متعطش لتعويض ما فاته من سنوات التعتيم والتهميش.. استقيموا يرحمكم الله، والجموا شهواتكم فى انتهاك حرمة تعبير الأمن القومى، ولا تستخدمونه عمال على بطال حتى لا يفقد جلاله، ثم نجلس جميعا نبكى على الهيبة التى تآكلت وراحت بسبب سوء الاستخدام».

قبل أن ترحل تعالَ أخبرك عما توصلت إليه بشأن تعبير الدولة المصرية العتيق «الأمن القومى خط أحمر».. الخط الأحمر الذى يتحدث عنه أهل السلطة فى مصر، ويتفاخرون به، مؤكدين دومًا أنه كيان مصون لا يجوز المساس به، ينتمى لعائلة خطوط الطول والعرض الوهمية، نشاهدها على الخريطة، ولكن لا نعرف لها مكانًا على أرض الواقع السياسى، لأنه ينخفض ويرتفع حسب المزاج السياسى للحاكم أيًا كان نوعه، ولذلك تعالَ نلخص التعريف فى الكلمات التالية: (هو ذلك الخط الوهمى المطاطى الذى يتم شده وجذبه ورفعه وخفضه واستغلاله بجانب القوانين الاستثنائية للسيطرة على الوضع فى البلد، بحيث يظل دائمًا فى صالح الناس اللى فوق).








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة