يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، "الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانى"، ويقول الإمام على رضى الله عنه، "من ينصب نفسـه للنـاس إمامـاً، فليبـدأ بتعليـم نفسـه قبل تعليم غيــره، وليكـن تأديبـه بسـيرته قبل تأديبـه بلسـانه"، هذا ما حاولت الجماعة الإسلامية فعله فى التسعينات من خلال المراجعات الفكرية والفقهية بعدما اكتشفت أن ما تفعله لا علاقة له بالإسلام، وأن حربها ضد الدولة كانت لظى لأفكار مغلوطة ومعلومات منقوصة مستخدمين الوصاية والدعاية والوشاية والغواية لإيقاع الشباب فى بحر العنف والانتقام، معتمدين على كتاب الفريضة الغائية للمهندس محمد عبد السلام فرج الذى أنتزع من كتب الفقه والتاريخ ما يغذى أيدلوجية الجماعة دون إعمال للعقل واستيعاب سيرة سيد الخلق محمد عليه افضل الصلاة والسلام، وقول الحق تبارك وتعالى لنبيه"ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك".
فقد كانت الجماعة الإسلامية تعتبر كتاب الفريضة الغائبة مصدر الوحى والإلهام والطريق الذى تسير عليه بدلا من القرآن، علما أن صاحب هذا الكتاب تم تجنيده فى بداية الأمر من قبل كرم زهدى القيادى فى الجماعة الإسلامية آنذاك لمواجهة سيطرة وهيمنة الاخوان المسلمين على الجماعات الدينية فى الجامعات المصرية، وكأن كل جماعة لها دين وعقيدة وكل منهما تحارب الأخرى من أجل مصالحها وأهدافها.
إذا كان كتاب الفريضة الغائبة وسوء الفهم قاد الجماعة الاسلامية لمواجهة مع النظام أنتهت بعد سنوات من الرعب والقتل بإعدام بعض أفرادها وإلقاء البعض الآخر فى السجون ومن ثم تبين لهم من خلال المراجعات أن ما تفعله كان ضرب من الجنون ومصالح حزبية وأحلام شخصية لا علاقة لها بالإسلام، كذلك قادت المهاترات السياسية وتطبيق مبدأ الإقصاء جماعة الإخوان المسلمين إلى نفس المصير، ولكن الفارق بينهم أن الأولى كانت فى مواجهة مع نظام الحكم، أما الإخوان فأصبحوا فى مواجهة مع النظام والشعب معا.
فهل تسير جماعة الاخوان المسلمين على درب اسلافها وتبدأ عملية فرز وتنقيه لأفكارها وفتاويها ونظامها السياسى وفشلها الإدارى وهل تكف عن ممارسة الغباء فى مواجهة العواصف والأزمات وسوء تقدير الأحداث، وتبدأ بالاعتراف بالذنب عما اقترفته فى حق نفسها والوطن والمواطنين، كما اعترفت من قبل الجماعة الاسلامية على لسان الدكتور ناجح إبراهيم، عندما أعلن أن الجماعة الإسلامية تعتبر أول حركة تراجع نفسها وتصحح مسيرتها، وتقوم بعملية نقد ذاتى، وتعترف بكل العلميات التى قامت بها، وتحل الجناح العسكرى، والتنظيم السرى لها حلاً حقيقيا.
إن اعضاء الجماعة الاسلامية بعدما استفاقوا من مخدر التشويه وسوء الفهم اعترفوا أن قتل السادات كان حراما شرعا، وأن تطبيق الأحكام من اختصاص الحكام، وأن تكفيرهم أعظم ضرراً وخطورة من تكفير عوام المسلمين، وغيرها من الاعترافات المثيرة، ولكن الغريب أن الجماعة الإسلامية استغرقت وقت طويلاً فى غياهب السجون حتى تصل إلى هذه القناعات وتغيير أقوالها وتعترف باخطائها، ولكن قادة جماعة الاخوان المسلمين الذين تم القبض عليهم تراجعوا عن كل الشعارات وما صدحوا به على المنصات وما شحونه فى رؤوس الشباب فى أول ليلة بالسجن، فقد تخلى صفوت حجازى عن كل ما قاله وكأنه كان يؤدى دور تمثيلى فى مسرحية على مسرح رابعة العدوية، أو يتعاطى مادة مخدرة ولا يدرك ما يقوله ولا يعى أبعاده.
يجب على جماعة الإخوان أن تبدأ فى مراجعة فقية وسياسية واعتذر للجميع إذا أرادت أن تعود للحياة من بوابة المصريين وأن تتخلى عن فتاوى تكفير المعارضين والادعاء بأن قتلاهم فى الجنة وقتلى الآخرين فى النار، وغيرها من الفتاوى والادعاءات التى تضر بالإسلام وتسيى إلى المسلمين، وأن تدرك أن الشعب اختارها عندما كانت قريبة من المواطنين تقدم خدمات ومساعدات وعلاجات، وعندما تخلت عن العطاء وبدأت تأخذ الوطن فى طريقها نحو الهاوية تخلى عنها المواطنين فمارست الاستبداد الذى قال عنه عبد الرحمن الكواكبى أنه ليس فى قوة الجند فقط، بل أيضا فى قوة المال، وقوة الإلفة على القسوة، وقوّة رجال الدين، فهذه القوات تجعل الاستبداد كالسيف فى مواجهة الفكر والحكمة التى غابت عن الإخوان كما غابت عن الجماعة الإسلامية فى الماضى.
على جماعة الإخوان أن تفعل ما فعله مؤسسها ومرشدها الاول حسن البنا عندما قتل اعضائها رئيس وزراء مصر آنذاك محمود فهمى النقراشى فتم التبرؤ من القتلة بأنهم ليسوا إخوانا ولا مسلمين، كما يجب عليها أن تعتذر للشعب وخاصة أن استطلاعات الرأى لمركز بصيرة تشير إلى أن 69% من المصريين لا يرغبون فى عودة الإخوان لممارسة الحياة السياسية و13% يوافقون على عودتهم بشروط، و6% فقط هم من يرغبون فى عودتها، فهل يعود الإخوان عبر المراجعات أم سيظلون فى الملاحقات والمواجهات أم ينتظروا صفقة مع النظام على غرار ما فعلوه مع السادات.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة