مصر تحيا بين خيارين أن تكون كقلب أسد المُلقب بملك الغابة أو أن تكون كقلب الخس هشة سهلة الأكل، وذلك ليس فقط خيار دولة ولكنه خيار ينطبع أيضاً على أهلها، ففى مصر إما أن تكون طاحن أو مطحون ولا عزاء لأهل البين بين. مقدمة كان لابد منها لأن لها كثير من الصلة بما سأعرضه فى بقية هذا المقال.
من الأسهل أن أسير مع التيار وأرفع لواء الهجوم على فيلم من أفلام العيد الذى استطاع أن يحصد أعلى الإيرادات وهو فيلم قلب الأسد، ومن الأسهل أن أنعى الذوق العام، وأن أقول وأكتب متباكية على فن السينما الذى صار عشوائياً، ولكنى عفواً لن أجنح للسهولة ولن أسير مع تيارها وألحق بهؤلاء الذين هاجموا فيلم من مجرد رؤية البرومو الخاص به أو حتى شاهدوه ولم ينظروا لأبعد من الفيلم، شاهدت فيلم قلب الأسد وهو فى مجمله فيلم جيد الصنع من مخرج لأول مرة هو كريم السبكى أحد أصغر أبناء عائلة السبكى.
فيلم قلب الأسد يحكى عن طفل يتم اختطافه من والده صغيراً ويرتبط بخاطفه ليعمل فى سيرك مروض للأسود يعيش فى منطقة نزلة السمان، ورغم أن الفتى تربى فى عشوائية إلا أن معدنه الطيب رغم ظروفه وارتباطه برجل فاسد تاجر للسلاح يدفعانه لمساعدة البوليس فى القبض على هذا الفاسد ولكن بحيلة ذكية، ولأنه ليس كله ملاك ولا كله شيطان يستطيع أن يسرق تاجر السلاح دون أن يعرف البوليس، وينتهى الفيلم نهاية مفتوحة بأن هناك من يراقبه فربما سيتم الانتقام منه أو ربما سيفلت.
سيناريو الفيلم بشكل عام جيد وإن اعتمد فى تحويل الأحداث على صدفة مفتعلة حين يكتشف البطل أن ضابط الشرطة الذى يجب أن يقتله هو ابن عمه من خلال صورة تجمعهما معلقة على الحائط، وهى حيلة درامية أوفر أو مفتعلة، وكان من الممكن للكاتب أن يجد مخرجا آخر أفضل وأكثر قبولاً ولكن بشكل عام فإن نهاية الفيلم تؤكد لنا أن الكاتب لم يجنح للسهولة فى بناء شخصية البطل بمنطق إما أبيض أو أسود، أى أن البطل ككل البشر فيه بعض من الخير وبعض من الشر.
ولكن هذا لا يعنى أننا أمام فيلم جيد فقط لأن لمسات السبكى منتجاً قد طالته من أغنية لا معنى لها إلا استغلالها فى الترويج للفيلم، فتصبح كلمات مثل "أديك فى الأرض تفحر واديك فى السقف تمحر" كلمات لأغنية يرددها شباب وسط البلد، ثم يزيد تأثير السبكى منتجاً شعبياً إلى بعض كلمات فى الحوار وأصوات يصدرها البطل فى حواره تتجاوز كل ما تم تقديمه فى السينما من لغة الشارع.
فى حوار مع محمد رمضان بطل الفيلم يقول: أنا لا أدفع الشباب لتقليدى، ولكن أنا الذى أقلد لغتهم وتصرفاتهم، وهو على حق فرمضان يقلد فئة ما من الشباب، ولكن لأى حد نقبل أن تخرج علينا أفلام السينما لتنقل لنا الشارع كما هو، ذلك هو السؤال الذى تفصل إجابته بين الفن والقبح، والواقعية وقله الأدب، الفن الجميل هو الذى يستقى حكاياته وأحداثه من الواقع ولكنه يعيد ترتيبها ويصبغها بلمسات الفنان لا بلمسات الشارع، وفيلم قلب الأسد فى بعض مواضعه استقى حكايات الشارع وحولها لفن وفى مواضع أخرى نقل الشارع ولغته كما هى فبدت قبيحة غير مقبولة.
مخرج العمل كريم السبكى وهو يقدم أول أفلامه يقدم نفسه بشكل جيد خاصة فى مشاهد المطاردات الجيدة التنفيذ.
محمد رمضان، قد يقول قائل إن مواصفات نجم العصر تصطبغ بطبيعة العصر الذى يظهر فيه، ورمضان ممثل جيد وقد يكون فيلمه هذا أو غيره تصدر الإيرادات ولكن النجومية لا يدشنها فيلم أو اثنين، النجومية تخص الجمهور أغلب الجمهور ونجومية محمد رمضان مازالت محصورة فى فئة من الجمهور والشباب فهل ستأتى الأيام القادمة بتأكيد أم بنفى لهذه النجومية؟ الإجابة ستقع على ذكاء رمضان ومزاج الجمهور.
وعود على بدء مصر منذ سنوات غاب عنها القانون فصارت الشعب يحيا إما قلب أسد ليحصل على حقه أو قلب خساية تُؤكل فلا تعيبوا على بعض من الجمهور إذا لم يكن يستطيع العيش بقلب أسد فيفعل أضعف الإيمان ويساند فيلم سينمائى بهذا الاسم والمعنى.
ملحوظة أخيرة: أحمد السبكى وأخوه محمد هما فقط من بين منتجى السينما الذين أخذوا على كاهلهم استمرار الإنتاج رغم الظروف أما الآخرون الذين ربوا لحم أكتافهم من خير السينما فقد اختفوا فى الذرة بما كسبوه من هذه الصناعة دون أن يحاولوا إقالتها من عثرتها ولو بأضعف الأفلام ميزانية، تحية للسبكى من أجل هذا، ورغم ذلك تبقى أفلامهم فى الميزان نقول لهم أحسنتم فيما يحسنون وأسأتم فيما يسيئون ولكن لزم التنويه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة