أوروبا ذاقت أهوال الحروب الدينية عندما اشتعلت حرب الثلاثين عاما بين الكاثوليك والبروتستانت فى ألمانيا فى القرن السابع عشر، فقضت على ثلث السكان، وسقط نحو سبعة ونصف مليون قتيل من إجمالى سكان ألمانيا الذى بلغ عشرين مليونا، وهبط عدد الذكور إلى النصف مما اضطر القساوسة الذين أشعلوا الصراع أن يسمحوا بتعدد الزوجات، بعد أن ارتوت الأرض بالدماء، ودمرت مدنا وقرى بأكملها، ووصلت البشاعة إلى حد اغتصاب الرهبان الذكور فى ساحات الكنائس وتحت صور وتماثيل السيد المسيح والعذراء، وكان السبب هو العداء المتأصل بين الألمان الكاثوليك والألمان البروتستانت، لخرق الطرفين اتفاق "أوسبرج" لتسوية الخلافات التى بدأت دينية ثم تحولت إلى صراع سياسى.
بدأت الحرب عندما أمر أسقف براغ الكاثوليكى بحرق كنيسة بروتستانتية، ولجأ البروتستانت إلى الإمبراطور "ماتياس" الذى تجاهل شكواهم، فقرروا أن يردوا بالمثل، وبدأوا بما عُرف بعقوبة الرمى من النوافذ العالية للمخالفين فى المذهب والرأى، ولم تتعاف أوروبا، ولم تجفف مستنقعات الدم إلا بعد أن فصلت الدين عن السياسة والكنيسة عن الدولة، ورجال الدين عن مقاعد السلطة، ومهدت دولها الطريق إلى ديمقراطية نظيفة، لا يحتكر مفاتيحها الكهنة والرهبان الذين يزعمون أنهم يتلقون أسرارها من السماء، فعندما تختلط السلطة بالدين تفسد السلطة، وتنحرف الأديان عن رسالتها السامية التى تستهدف إسعاد البشر ونشر المحبة والتسامح والعدل والمحبة والسلام.
لا نريد لمصر مثل هذا المصير وأقصر طريق للإنقاذ هو أن يحظر الدستور الجديد الأحزاب الدينية، بعد أن تفشت مساوئها فى الفترة الأخيرة، وقدمت نموذجا فاشيا إقصائيا، يفتح الجراح ويستحضر الفتن ويمزق النسيج الوطنى، ويضع المصريين لأول مرة فى تاريخهم وجها لوجه وكأنهم أعداء أشرار وليسوا أبناء وطن واحد، دافعوا عن ترابه الوطنى بدمائهم الزكية ضد العدو الحقيقى، وليس أبناء بلدهم ودينهم وأشقائهم وجيرانهم، وحدث هذا العداء المؤسف بسبب خلط الدين بالسياسة، وإصرار التيارات الإسلامية على احتكار السلطة بتفويض من السماء، فتركوا الدعوة وتفرغوا للكراسى، ونصّبوا أنفسهم أوصياء على البلاد والعباد، وفسروا القرآن الكريم والسنة النبوية بما يخدم أطماعهم السياسية.
نعم.. الإسلام دين ودولة، ولكن ليس دينا وسلطة وشتان بين الاثنين، فلن يستطيع أحد أن ينزع الإيمان من قلوب المصريين، الذين يجمعون على الاقتداء بالشريعة الإسلامية فى كل مناحى الحياة وقوانين الدولة وتشريعاتها، وهذا هو معنى أن الإسلام دين ودولة، أما أن يترك المشايخ والمتطرفون أمور الدعوة ليحكموا بأنفسهم ويوظفوا الإسلام لاقتناص السلطة، فهذا هو مكمن الخراب، ويتناقض مع مبدأ المساواة بين المصريين، لأن تيارات معينة تحتكر الدين وتستحوذ على الحكم، فتكون النتيجة هى الفتاوى العنيفة والدموية التى تستبيح القتل والتكفير وتقسيم أبناء الوطن الواحد إلى مؤمنين وروابضة ومسلمين وكفاراً، والتاريخ الإسلامى ينزف دماً بسبب هذه الفتن، التى بدأت شرارتها الأولى عندما شج السفاح "ابن ملجم" رأس الإمام على كرّم الله وجهه، وهو ساجد فى صلاة الفجر، صارخاً فيه "الملك لله وليس لك يا على"، ومازلت دماء الإمام الشهيد ساخنة حتى الآن، بعد أن أُريقت على سيف صراعات الولاية والملك.
حظر الأحزاب الدينية ليس فيه إقصاء ولا حرمان للتيارات الإسلامية من المشاركة فى الحياة السياسية، فمن حقها أن تنشئ الأحزاب وتخوض الانتخابات، وتصل للحكم عبر التداول السلمى للسلطة، ولا تفعل مثل الإخوان الذين وصلوا للحكم عن طريق عربة الديمقراطية، ثم حاولوا حرقها بمن فيها بعد أن قفزوا منها، وأشاعوا فى قلوب وعقول المصريين ممارسات السيف والجلاد فى عصور التخلف والرجعية، فثاروا عليهم فى 30 يونيه قبل أن يدخل وطنهم نفقا مظلما لا خروج منه ولا فرار، وأصبح طريقهم الآمن إلى المستقبل هو درء المخاطر، وأن تخلع هذه الأحزاب عباءتها الدينية، وتحتمى بمظلة الدولة الوطنية القوية التى تحقق العدل والمساواة لكل أبنائها، ولا تفرق بينهم بسبب الدين أو الجنس أو العرق، وأن تظل القوات المسلحة الباسلة حاميًا أمينًا لدستور الدولة وهويتها وأرضها وكيانها وترابها الوطنى، حتى تترسخ معالم الديمقراطية كما فى الدول المتقدمة، ولا يطمع المغامرون فى الاستيلاء عليها، بتوظيف الدين الحنيف فى غير مقاصده ومرامية.
عدد الردود 0
بواسطة:
عمر دوابشة
الأحزاب الدينية
عدد الردود 0
بواسطة:
belal said
مسلسل فصل الدين عن الدوله بل عن حياتنا
عدد الردود 0
بواسطة:
مصررررى
لقد أسمعت لو ناديت حيا وكن لا حياة لمن تنادى