مصر وطن عزيز غال يتجاوز حب المصريين له وضعه الجغرافى وقيمته التاريخية، فحدوده الجغرافية ليست على الأرض ولكنها فى القلوب، ومكانته التاريخية تتوج رؤوس المصريين بالفخار، فهم من صنعوا هذا التاريخ وشيدوا تلك الحضارة، وأسسوا هذه الثقافة وتميزوا بتلك الهوية التى تميزهم عن غيرهم من البشر، فالجغرافيا والتاريخ جعلا المصرى هو من يحب وطنه ويخلص له ويستمد منه العون على حياة تتنوع بين العسر واليسر، بين الظلم والعدل، بين الحاجة والاكتفاء، بين الصبر والثورة، فمصر هى من صهرت واستوعبت وهضمت ثلاث هجرات جماعية واثنتين وخمسين غزوة حربية، وظلت مصر كما هى تاريخها وحضارتها وهويتها، فلا توجد قوة ولا تملك جماعة أن تغير تاريخا تجسد على الأرض وحضارة وقرت فى الضمير الجمعى المصرى، وأصبحت أهم مكوناته الجينية الحضارية، وأهم وأعظم تلك الجينات الحضارية هو الدين والتدين وعبادة الإله الواحد، وعلى ذلك ولذلك قد وجدنا مبارك كان قد استبد وزمرته بالشعب وبمقدراته وأقصى الجميع غير جماعته فأسقطه المصريون فى ثمانية عشر يومًا، وجاء مرسى والإخوان مستغلين الظروف السياسية المرتبكة للمجلس العسكرى وللتيارات السياسية، رافعين شعار الدين متسلحين بقاعدة «الضرورات تبيح المحظورات»، فحازوا السلطة على غير ما وعدوا وعلى نقيض ما تعهدوا، ففشلوا حيث إنهم قد تنكروا للثورة، بما يؤكد أن مصر لا ولن يستطيع أن يحكمها فصيل سياسى واحد تحت أى ظرف وفى ضوء أى ادعاء، كما أن الثورات وفترات الانتقال وغياب الاستقرار لا يمكن الخروج منها تحت راية فصيل سياسى واحد، فالثورة ثورة الشعب والوطن وطن الجميع وقد حدث ما حدث من رفض لمرسى وسياسته طوال عام حكمه وفشله فى كسب مصداقية الشعب، ومن خروج الملايين فى 30 يونيو، بما يعنى عمليًا كيف كان وسيكون حكم مرسى لشعب يرفضه، فلا حكم بالقهر ولا سلطة بغير الرضا والتوافق، ولذلك نقول الآن لصالح مصر الوطن إذا كنا نحبه ولصالح الشعب الذى ندعى أننا نعمل لمصلحته، لابد من المصارحة والمصالحة، وهذا يعنى أن الفرقاء يقتنعون مبدئيا بالمصالحة، بما يعنى تأجيل المصالح الحزبية الضيقة، والأهم هى عملية التقييم والنقد الذاتى لمجمل المرحلة ولكل الأطراف، فلا يوجد ملائكة ولا أحد يملك الحقيقة المطلقة، ثم محاسبة ومحاكمة كل من أخطأ من كل الأطراف أيًا كانت مكانتهم بالقانون وحده وبعيداً عن الأحقاد وتصفية الحسابات، مع كرامة الإنسان، فالصراع والعنف والدم لا تبنى الأوطان والحقد والكراهية لا يصنعان توافقا، وخطة الطريق بالرغم من ملاحظاتنا عليها فهى تعطى الفرصة للجميع بدون استثناء للمشاركة فى العملية السياسية حتى تنتهى من الشرعية الدستورية، ولن يكون هذا بدون إخلاص للوطن والشعب، فلابد من الإرادة السياسية التى تترك الصراع على الوطن إلى التنافس على حب الوطن، وبعد الاستقرار وبعد سير العجلة فليتنافس المتنافسون، فمصر لكل أبنائها، فهى بهم ولهم ولن تكون لفصيل دون غيره، حمى الله مصر وشعبها من كل سوء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة