استطلاعات الرأى مهنة وصناعة فى الدول الديمقراطية، يدور حولها جدال ونقاش حيث يرى البعض أنها جزء من الحياة الديمقراطية لا يمكن الاستغناء عنها، من هنا وصفها جالوب بأنها نبض الديمقراطية، فى المقابل يراها آخرون آلية لتزييف وعى الناخبيين وتوجيههم نحو مرشح أو حزب معين، غالبا ما يكون الأكثر إنفاقا على حملته الانتخابية والأكثر سخاء مع مراكز استطلاع الرأى العام، والتى تعمل على أساس الربح والخسارة.
النقاش حول جدوى استطلاعات الرأى العام غاب عنا فى مصر، حيث منع القانون إجراء الاستطلاعات إلا بعد الحصول على موافقة الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، والذى لم يكن يمنح موافقته إلا بعد موافقة عديد من الأجهزة الأمنية، وغالبا ما كانت تأتى الموافقة بعد أسابيع أو أيام طويلة كفيلة بتغيير مناخ الرأى العام، لذلك لجأت كثير من الاستطلاعات إلى المقابلات الهاتفية والتى لا تتطلب موافقة الجهاز المركزى!! لكن الاستطلاعات الهاتفية لايمكن الوثوق فى نتائجها حيث توجد عشرات الملاحظات المنهجية والموضوعية حول دقة ونزاهة استخدام الهاتف فى الوصول لعينة ممثلة للرأى العام. من هنا فشلت أغلب استطلاعات الهاتف فى توقع سلوك الناخبين أو المستهلكين، وجاءت نتائج استطلاعات البرلمان والسباق الرئاسى غير دقيقية ومضللة. والحقيقية أن هذا الفشل هو حلقة من حلقات الفشل التاريخى لاستطلاعات الرأى العام المصرية، والتى تصل بعضها إلى مستوى من التزييف والتضليل المكشوف حيث أيد %100 من المصريين زيارة الرئيس السادات للقدس عام 1977، وهى نتيجة غير مسبوقة فى تاريخ استطلاعات الرأى العام فى العالم كله، والأمثلة كثيرة لكن ما يهمنا هنا أمران:
الأول: أن استطلاعات الرأى العام بدأت فى مصر قبل حوالى أربعين عاما، كما تتوافر بنية أساسية معقولة من البيانات والمعلومات الإحصائية إضافة لكثير من الكوادر والخبرات، أى أننا أفضل حالا من كثير من دول التحول الديمقرطى، ومع ذلك فإن ممارسة الاستطلاعات غير مستقرة وتفتقر للتواصل والتراكم المعرفى وتعانى بعد عامين من الثورة من التدخلات الأمنية والتوظيف السياسى. والمفارقة أن مراكز استطلاع الرأى العاملة فى مصر حاليا كانت تعمل فى ظل نظام المخلوع، ونشرت استطلاعات كثيرة كانت نتائجها تصب فى مصلحة النظام القديم.
الثانى: الحاجة إلى تنظيم ورش عمل وحلقات نقاش للبحث عن أسباب فشل استطلاعات الرأى العام المصرى، وكيفية تطويرها، والحفاظ على استقلالها، وهنا من الضرورى التفكير فى:-
1 - اعتذار مراكز استطلاعات الرأى العام عن الأخطاء التى ارتكبتها سواء بقصد أو غير قصد، وبلغت أحيانا مستوى الكذب على المواطنين وتضليلهم.
2 - إصدار قانون ينظم إجراء استطلاعات الرأى وينص على حرية إجراء الاستطلاعات ونشرها، ويحدد حالات حظر النشر، ولابد أن يشارك العاملون فى مراكز استطلاعات الرأى الحكومية والخاصة فى صياغة هذا القانون.
3 - إنشاء مجلس أعلى لاستطلاعات الرأى يشرف وينظم هذا المجال، شرط أن تكون أغلبية أعضائه من العاملين فى مراكز استطلاعات الرأى، بحيث يكونون أقدر على وضع ميثاق شرف، ومعايير لجودة الأداء المنهجى والموضوعى فى اختيار عينات الاستطلاع وتنفيذه ونشره فى وسائل الإعلام، علاوة على إلزام كل الاستطلاعات بالإعلان عن مصادر التمويل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالله المصري
الله ينور
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد لطفي
أكثر من رائع!