لم تولد فكرة إنشاء سد إثيوبيا فجأة، بل تعود جذورها إلى ما قبل منتصف القرن الماضى، حيث فكرت إثيوبيا فى إنشاء سد أثناء حكم الرئيس جمال عبدالناصر، وقد حسمها الرئيس مع الإمبراطور هيلاسيلاسى إمبراطور إثيوبيا فى ذلك الوقت، إلا أن فكرة تشييد السد لم تمت وقتها، بل ظلت تطارد الشعب الإثيوبى وزعماءه.. سعيا لهدفين، أولهما الاطمئنان على حصة المياه الأساسية باعتبارها من دول المنبع، بل يعطيها السد فى هذه الحالة شيئا من السطوة على توزيع حصة المياه.. ثم يجىء الهدف الثانى بتوفير الكهرباء التى يمكن توليدها من السد الإثيوبى.. وشكلت فى منتصف السبعينيات وقت حكم الرئيس السادات ربع ما يقدمه السد العالى فى مصر من الطاقة الكهربائية، أما اليوم فإن التهديد الأكبر لإنشاء سد إثيوبيا المسمى بسد النهضة هو أنه سيجعل مصر تخسر نصف طاقتها من إنتاج الكهرباء من السد العالى، هذا كله إلى جانب أن إنشاء سد النهضة يعتبر انتهاكا لاتفاقية عام 1959 التى تعطى مصر حق نحو %70 من مياه النيل حسب تعداد السكان. اليوم وحسب آخر استطلاع لخبراء السدود، يؤكدون أن هناك عجزاً سوف يحدث فى حصة مصر من مياه النيل قدره %34 بعد بناء سد النهضة.. وهناك أيضا انخفاض قدره 15 مترا فى منسوب بحيرة ناصر فضلا على عجز قدره %30 فى إنتاج السد العالى من الطاقة الكهرومائية، بناء السد سوف يحل بكارثة على مصر، ولا يقابلها سوى رد حاسم حازم، فالقضية حياة أو موت، وبالتالى فهذا السد المزعوم سوف يحل الجفاف على أرض مصر، لأن ارتفاعه يتجاوز 145 مترا بل إن السودان نفسه مهدد بالغرق.. لأن السد الإثيوبى سوف يحتجز 77 مليار متر مكعب سنويا، ويؤثر على الإنتاج الزراعى فى مصر، وتداخل مياه البحر المتوسط مع مياه النيل، أما الحلول المقترحة وهى حلول عرجاء وسطية لا تعنى سوى مزيد من التهريج والتدهور.. مثل تحويل مجرى النيل، لأن ذلك فيه خطر على مدن الجوار لأن سد إثيوبيا يلتهم %33 من الحصة المائية وانهياره بغرق أراضى السودان كلها، ويهدد جسم السد العالى، والحديث عن انهياره ليس بعيدا لأن التخطيط المرسوم من خلاله السد الإثيوبى يؤكد أن جدرانه خرسانية غير آمنة، ومخزون المياه خلفه يضاعف الأزمات، والقضية من الخطورة بحيث يجب علينا الحذر، فهل نحن مقبلون على مرحلة دبلوماسية وعقد جلسات حوار للمناقشة، أم نحن مقبلون على حرب مع إثيوبيا؟ خاصة أن الأمر يهدد مصر والأجيال القادمة، وليس من المقبول أن نستسلم لأقاويل المسؤولين الإثيوبيين من أجل تخديرنا والموافقة على بناء سدهم.. هم يزعمون أن تحويل مجرى النيل يهدف إلى إكمال إنشاءات سد النهضة فى وسط النهر ولا يقلل بأى حال من كمية المياه المتدفقة إلى مصر.. وكذلك دولتا المصب «مصر والسودان»، وأن تدفق المياه يبلغ نحو 60 مليار متر مكعب، وهذا الكلام وغيره من المبررات تحتاج إلى مائدة مستديرة للبحث والتدقيق، الأمر وصل إلى مرحلة الخطر لأن بناء السد ليس مجرد حبر على والورق ورسومات تنفيذية قابلة للتنفيذ أو عدم التنفيذ، القضية أن الحكومة الإثيوبية بالفعل وقعت مع الحكومة الإيطالية اتفاقية تعاون، لمدة ثلاث سنوات تقضى بتخصيص الحكومة الإيطالية 99 مليون يورو لتمويل مشروعات تنموية فى البلاد، ويرى المراقبون أن هذه الاتفاقية فى هذا الوقت بالتحديد تعنى أن هناك حصة كبيرة من هذه الملايين تخصص للتمهيد لبناء السد الإثيوبى، ولهذا فلابد أن نسابق الزمن فى التوصل إلى اتفاق يمكن أن يحقق المنفعة للشعبين، ويضمن عدم المساس بمصالحنا المائية، وكذلك عدم المساس بالطاقة الكهربائية التى يمكن أن تتأثر من السد الجديد، وتؤثر على طاقتنا الكهربائية فى مصر.. وكذلك يجب على السودان أن تشاركنا فى المناقشات، فالأمر يخص البلدين معا.. والمسألة وصلت إلى حافة الهاوية، وليس أمامنا سوى استعراض القوتين.. الدبلوماسية للحوار والنقاش الهادئ والعسكرية للاطمئنان على سلامة أراضينا وحمايتنا من البوار والجفاف والعطش.. لسنا نحرض لحرب، ولكن فقط نريد أن نؤكد لأى دولة أن مصر قوية ولن تقبل ضغوطا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة