منذ أيام كتب الأستاذ الشاعر الصديق عبدالرحمن يوسف مقالاً بعنوان الشماتة فى مصر، وفيه يعتب الأستاذ عبدالرحمن على أخلاقيات الشماتة التى استشرت فى مصر حين نسى الناس القاسم المشترك بين أبناء الوطن الواحد، ويدلل الشاعر الكبير على ما يقول بمثالين أحدهما، كما ذكر، الشماتة التى انتابت البعض ففرحوا فى مرسى وجماعته حين تم اختطاف الجنود المصريين، وكأن اختطافهم ضربة قاصمة لجماعة مرسى قبل أن تكون ضربة قاصمة موجعة لظهر مصر، وأن نفس هؤلاء قد تمنوا عدم عودة الجنود ليحظوا بالشعور بالشماتة أيضاً فى مرسى وجماعته حتى إنهم حزنوا حين عاد الجنود سالمين.
والمثال الثانى الذى يسوقه الصديق العزيز هو الشماتة التى لاحظها لدى الكثيرين بسبب أزمة سد النهضة، وكأن مشكلة السد ومشاكلنا مع إثيوبيا لم نتسلمها جثة هامدة، وليست وليدة عصر مرسى الرئيس العاجز، كما وصفه عبدالرحمن يوسف، ثم ينهى مقاله فيكتب أن الشماتة خلق وضيع ولكنها فى القضايا الكبرى شماتة فى مصر وتلك خيانة.
وبالتأكيد أنا أتفق مع الشاعر الكبير فيما قال واصفاً الشماتة التى صارت متلازمة أخلاقية لكثير من المصريين، وكذلك أتفق معه حول إدانة أى مصرى جرؤ أن يشمت فى حادثة اختطاف الجنود أو عودتهم سالمين، وكذلك فيمن يمكن أن يرى أزمة سد النهضة فرصة فى الشماتة فى مرسى وجماعته، وإن كنت أتصور أن الصديق العزيز عبدالرحمن قد اختلط عليه الأمر فى هذين المثالين بالتحديد لأنى وفى حدود متابعتى لم ألحظ شماتة من أى فصيل مصرى سياسى أو مجرد مواطن فى خطف الجنود، بل على العكس بدا الأمر مخيفاً ومحزناً للجميع، ولكن ربما بدا هذا الأمر فرصة لانتقاد مرسى وتقريزه، وهو ما قد يوحى لدى البعض بأنه إحساس بالشماتة فى ضعف مرسى، ولكن بالتأكيد ليس فى الحادثة نفسها، ونفس الأمر أظنه ينطبق على أزمة سد النهضة.
وعلى كل، فلو صح تحليل الأستاذ عبدالرحمن يوسف فى هذا الأمر، فلا أظن أن مصريا عاقلا لن يوافقه فى تجريم تلك الشماتة، أما لو صح تحليلى أنا، أَمة الله، فلا لوم ولا عتب على من انتقد رد فعل مؤسسة الرئاسة حيال حدث جلل فى الحالتين.
ولكنى أود أن أعود لكلمة الشاعر الكبير عن الشماتة والوضاعة فى مصر والتى كنت أتمنى أن يراها الأستاذ عبدالرحمن فى مواضع أكثر فجاجة مما ساق لنا من أمثلة قد نختلف حول تقييمها هل هى شماتة أم انتقاد لرد فعل.
ودعونى أضع أمامكم أمثلة أخرى أراها شديدة الفجاجة لفعل الشماتة الحقيقية فى مصر، وليس لرد فعل فصيل سياسى من هنا أو هناك، أولها تلك الشماتة التى حفلت بها مواقع وأقوال كثير من الإخوان وقياداتهم دون لبس وبوضوح منقطع النظير فى ذكرى النكسة منها ما كتبه المذيع نور الدين عبدالحافظ الشهير بخميس مذيع قناة 25 التابعة للإخوان على حسابه فى تويتر بالنص يوم 5 يونيو الماضى: «أنا قلت مستحيل أفوت فرصة زى دى من غير ما أهنئ الإخوة بنكستهم كل عام وأنتم منكوسين.. القيادة لمن يستحق القيادة»، انتهت تغريدة نور الدين عبدالحافظ ولدى مئات بل آلاف الأمثلة على الشماتة من قيادات الإخوان فى مصر فى هذا اليوم.
لعنة الله على الشامتين فى هزيمة مصر، فلم يكن عبدالناصر هو الذى هُزم ولكن جيش مصر وأبناءها هم من قُتلوا ورغم الانتصار واستعادة الأرض التى قد تضيع على أيدى قيادة الجماعة، فإن كل مصرى يجرى فى دمه نيل مصر الذى يبدو أنه سيجف على أيدى الإخوان وقيادتهم مازالت فى قلبه غصة يوم هُزمنا حتى هؤلاء الذين لم يعيشوا الهزيمة.
أما المثال الآخر الذى أريد أن أضعه أمامكم على وضاعة الشماتة وخسة خلقها، فهى تلك التى ألحظها لدى بعض من يُطلقون على أنفسهم أو يُطلق عليهم آخرون نشطاء سياسيين، فبعضهم يوم يموت ضابط شرطة أو عسكرى أمن مركزى تبدو عليهم الشماتة فى جهاز يرون أنه مسؤول عن قمعهم وهو خلط غير إنسانى وغير متعقل، فالضابط الذى يموت وهو يؤدى واجبه حتى لو كان تابعا لجهاز أمن الدولة هو مصرى مات وهو يؤدى عمله وحسابه عند ربه، وشماتتكم فى الموت أو فى المرض أو الضعف أو الهزيمة خسة ووضاعة، كما قال عنها الشاعر الكبير عبدالرحمن يوسف، بل أكثر أنها خيانة بكل المعانى لهذا الوطن الذى تقولون إنكم تدافعون عنه، فبئس دفاعكم إن كان بالشماتة.
فى معركة صفين بين معاوية وعلى بن أبى طالب، رضى الله عنه، والتى استمرت أسبوعين قُتل الصحابى عمار بن ياسر فتذكر بعض من جيش معاوية قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية» وسرى بينهم إحساس بالخوف فما كان من معاوية الداهية إلا أن رد عليهم بتفسيره الخاص للحديث النبوى فقال «إنما قتله من أخرجه» فهل عاد لنا معاوية فى صورة نشطاء وأفراد جماعة يقولون إنهم إخوان؟!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة