«ربنا ما يقطع لهم عادة».. فكلما يحلّ عيد لأهلنا الأقباط يزدهر موسم الفتاوى التى تحرم معايدتهم، وكانت أحدث تلك الفتاوى ما أطلقه مفتى جماعة الإخوان، والتى قال فيها «إنه يقطع بعدم مشروعية تهنئة الأقباط بعيد القيامة، لأن قيامة المسيح تتعارض مع معتقدات المسلمين»، يتطلب رصد فتاوى التحريض ضد المسيحيين جهد فريق بحث ليوثق أطنانًا من اللغو السخيف الذى أسهم بالفعل فى تمزيق أمتنا المنكوبة. هذه الفتاوى السوداء التى يطلقها مشايخ التعصب تضعنا أمام أسئلة حرجة تشكل منعطفات فى وعى الشعوب بهويتها، فمن يرى مصر «ولاية» بدولة الخلافة لا تعنيه المسألة الوطنية كثيرًا، وهكذا يفكر غالبيتهم حتى لو زعموا خلاف ذلك، فهو من باب المناورات أو «التّقية» التى ابتدعها الشيعة وتبنتها تلك التنظيمات التى حرثت الأرض أمام «فاشية دينية» سيتكبد تبعاتها أجيال قادمة. فى بلد تتعرى فيه المرأة كى تأكل، لا يوجد مستقبل. فى بلد يتمدد فيه الفقر كما يتمدد ثعبان فى الرمل لا يوجد مستقبل.
وكأن صلاح عبدالصبور كان يتنبأ بواقع مرير نعيشه الآن، لكن كل هذه الأزمات يمكننا تجاوزها شريطة حسم «أزمة الهوية»: مصرية وطنية قوامها المواطنة وليس أى اعتبار آخر، فالوطن يتسع للجميع، والدين للدّيان. لن يروق هذا المفهوم لكثيرين، سواء بقصد خبيث لتّجار التعصب، أو وعى مشوش كالعوام الذين ساهمت آلة التطرف فى تصوير المسيحى المصرى لهم كأنه «كافر مشرك»، وبالطبع سيظهر فى الاتجاه الآخر «غُلاة» يرون تيار الإسلام السياسى غزوًا فكريًا، فلكل فعل رد فعل، وفق قوانين الفيزياء.
قبل عقود لم يكن هناك من يثير مثل هذه الفتاوى فماذا حدث؟، باختصار استخدمت أنظمة الحكم المتعاقبة على مصر منذ محمد على حتى محمد مرسى «سلاح العقيدة» كلاعب فى قضايا سياسية لا صلة لها بالدين، والتفاصيل يعرفها الجميع، أما الآن فمصر فى مفترق طرق، ولعل سؤال الهوية هو الأصعب، ولن يحسمه مقال هنا أو مناظرة هناك، بل لابد للأسف أن نخوض معارك دامية ومواجهات مفتوحة على كافة الاحتمالات لنضع أصابعنا على الهوية المصرية المتصالحة مع العالم، وحينها سنقول لشركائنا فى الوطن بكل محبة ودون حرج: «أخريستوس آنستى.. أليسوس آنستى».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة