دارت الكاميرات ولمعت العدسات ولاح الرئيس مبتسمًا.. ودخل الجنود البسطاء قصر الرئاسة لأول مرة فى حياتهم، شاهدوا الأبهة الرئاسية فانبهروا، ولمسوا الفخامة السلطانية ولهجوا بشكر الله عز وجل الذى أنجاهم من كابوس الخطف وعصب العيون والإذلال، ووهبهم نعمة دخول عرين الرئاسة واستنشاق روائح العز والفخفخة!
هكذا انفض المولد، عاد الجنود إلينا وإلى أهاليهم سالمين بحمد الله، وفر الخاطفون الإرهابيون، وتوقفت العمليات العسكرية التى انطلقت لتطهير سيناء من البؤر الإجرامية والإرهابية، وعاد التهريب عبر الأنفاق بين غزة وسيناء إلى سالف عهده، كما ذكرت "اليوم السابع" اليوم الجمعة، 24 مايو 2013، وقد أيقن البعض أن هناك صفقة مشبوهة تمت بين الإخوان المسلمين الذين يحكمون البلد وبين من خطف الجنود وعصبوا أعينهم، هذه الصفقة تقضى بأن يترك الإرهابيون الخاطفون الجنود فى الصحراء، على أن تتوقف القوات العسكرية عن مطاردتهم وتسقط عن بعضهم الأحكام التى اتخذت ضدهم!
ولأن لا فروق جوهرية بين تيارات التأسلم السياسى كلها، فإن الرئاسة الإخوانية وافقت على الصفقة بيسر (تذكر تصريح الرئيس مرسى فى أول المأساة حين طالب بضرورة الحفاظ على أرواح المخطوفين والخاطفين، حيث ساوى بين المجرم والضحية، لأن المجرم ينتمى إلى تيارات التأسلم السياسى)، وهكذا عاد الجنود واطمأن الإرهابيون على حياتهم، وراحت الأصوات تفضح هذه الصفقة التى جعلت حفنة من الإرهابيين يفلتون من الملاحقة والعقاب بعد أن أذلونا نحو أسبوع كامل! كذلك ارتفعت أصوات أخرى تطالب بضرورة العمل على تعمير سيناء حتى نقضى على غربان الإرهاب التى تعشش فى صحرائها!
والسؤال.. هل يستطيع الرئيس محمد مرسى العمل بجدية على تعمير سيناء؟
الإجابة.. لا بكل أسف، فقضية سيناء تتجاوز الرجل وإخوانه وتوجهاتهما السياسية والاقتصادية تجاوزاً شديدًا، وسأشرح لك هذه المسألة فورًا.
الكل يعرف أن السادات عقد اتفاقاً مع إسرائيل تم بموجبه إنهاء احتلال إسرائيل لسيناء وفق شرط بالغة القسوة والمهانة، فلا توجد قوات عسكرية ذات شأن فى سيناء خاصة فى المناطق الحدودية مع إسرائيل، كذلك تم زرع أجهزة إنذار مبكر فى سيناء لصالح إسرائيل وبدعم أمريكى، لقد فرضت إسرائيل هذه الشروط المذلة (من ضمنها بيع الغاز المصرى لها بأسعار أرخص من السعر العالمى) على السادات ومن جاء بعده حتى تضمن أمنها، فإذا جاء إلى مصر نظام معاد لها ولغطرستها تستطيع إسرائيل آنذاك العودة إلى سيناء بسهولة وتهديد أمننا القومى.
ولأن توجهات جماعة الإخوان السياسية والاقتصادية تتفق تمامًا مع التوجهات الأمريكية والإسرائيلية، فلا خلافات أساسية بينهم، فكلهم يناصرون الأثرياء على حساب الفقراء، والمصالح متداخلة ومتشابكة بين الإخوان (قيادات الإخوان من رجال الأعمال تحديدًا، وليس شبابهم الفقير والمغيب)، وبين الشركات الأمريكية والغربية الكبرى، فلا عجب ولا غرابة أن تنصاع الجماعة ومرشدها ورئيسها إلى أوامر أمريكا وطفلتها المدللة إسرائيل، ومن ثم فلن يستطيع مرسى أن يخطو خطوة واحدة جادة نحو تعمير سيناء، لأن هذا الأمر يهدد أمن إسرائيل بشدة.
إذن.. سنظل نعانى من تدهور الأوضاع فى سيناء، وتنامى تيارات الإرهاب، وانتشار جماعات القتل باسم الإسلام واختبائهم فى صحراء وجبال سيناء، وستظل الأنفاق مفتوحة للتهريب والدعم والإخفاء، بالتعاون مع من يحكمون غزة.
لكن السؤال الأهم والساخر.. كيف يستطيع الرئيس تعمير سيناء وإضائتها بالكهرباء، بينما هو غير قادر على الحفاظ على إضاءة القاهرة والمحافظات، حيث تعيش مصر فى مرحلة الظلام الإخوانى؟!
ألم أقل لك فى عنوان المقال.. أن تعمير سيناء وهم كبير؟
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد ماهر
مقالة رائعة
صدقت يا استاذ ناصر عراق
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرية جدا
الى تعليق رقم 1