عندما تستمع للبعض وهم يتحدثون عن حتمية أن يقف الجيش على الحياد فى الصراع بين الأحزاب والقوى السياسية، تعلم أنهم يقصدون أن يقف الجيش إلى جانبهم وأن ينحاز إليهم، فى مواجهة الفريق الآخر، تمامًا عندما تسمع أن الجيش أو غيره هو خط أحمر غير قابل للمساس، حيث تجد الواقع العملى يشير إلى الرغبة فى انتهاك هذا الخط الأحمر من الجميع.
والسؤال الأن، كيف يريد البعض توريط الجيش فى الصراع السياسى؟، ومن هو الرابح الأول من هذا التوريط؟.
بداية يتحتم القول أن الجيش قد أدار المرحلة الانتقالية بشكل أكثر من سلبى، صحيح أن البعض يرى أن محصلة الانتهاكات فى فترة التحول من حكم مبارك إلى أن جاء حكم الإخوان كانت وقوع نحو 200 قتيل، تحمل الجيش المسئولية فى وقوع غالبيتهم، وأن هذا العدد محدود فى سبيل قيام حياة ديمقراطية سليمة، فى مجتمع به نحو 90 مليون نسمة، إلا إننا يجب أن نؤكد أن تلك الحياة الديمقراطية لم تقم بعد، فالجيش لم يقم بإدارة المرحلة الانتقالية بشكل منضبط، يسفر عن نقل سلس للسلطة، فلا هو قام بإعداد دستور انتقالى توافقى، ولا هو سلم السلطة لإدارة مدنية مؤقتة حتى تمر الانتخابات بسلام، من هنا يبدأ الكلام عن دور الجيش السلبى، وأنه استدرج لتسليم الإخوان السلطة رغمًا عنه أو برضائه، حسب الروايات المتضاربة فى هذا الشأن، والتى لا تعنينا فى هذا المضمار.
المهم أن ما نحن فيه الآن، هو من نتاج تلك المرحلة التى يتحمل فيها الجيش المسئولية الأكبر، يليه دهاء الإخوان، وخداع الأمريكيين الساعين لتحقيق مصالحهم بتحقيق أمن إسرائيل، بتمكين الداعين بـ"خيبر خيبر يا يهود" إلى السلطة، لجعلهم مسئولين عن أية انتهاكات ضد الصهاينة.
لذلك كله خرج البعض يدعو لإقحام الجيش مرة أخرى فى المعترك السياسى، وبعض هؤلاء تجاوز الدعوات بإصدار توكيلات لوزير الدفاع، وكأن الديمقراطية هى الخلاص من حكم أصحاب المرجعيات الدينية، بنقلها للعسكريين، هذا الكلام أخجل القوى المدنية الحقيقية، التى ترى أن السبيل هو توليها السلطة بالعمل السياسى، لا بعودة الجيش، لكن هذا الجناح محدود داخل التيار المدنى، الذى مل معظمه العمل السياسى، واستسهل قيام الغير بالخلاص بالقوة من أكبر مقلب وقعت فيه مصر، وهو اكتشاف طبيعة حكم الإخوان، وليس مجرد حكم الإخوان.
بالمقابل ونتيجة تصريحات الفريق أول عبد الفتاح السيسى، بأن الجيش يقف على الحياد، أن اعتبر الطرف المقابل تلك التصريحات محمودة من قبل الجيش، هنا لا يدرى هؤلاء أن الرجل كان يتحدث عن الوضع الراهن، وأنه سيبقى على الحياد حتى لو استمر الجمود لأشهر وأشهر، لكن ما لا يعلمه هؤلاء أن الجيش لن يقف مكتوف الأيدى إيذاء وقوع أعمال عنف واسعة النطاق، بما بات يعرف بثورة الجياع، هنا يضع المقطم يده على قلبه وهو ينتظر رد الفعل الشعبى، وهو ينفذ شروط التقشف برفع الدعم عن المحروقات، قبل أن يصل دولارًا واحدًا من صندوق النقد، وقبل أن تفتح صناديق الانتخابات بعد نحو 4 أشهر (إن فتحت).
والسؤال الآن، من له مصلحة فى توريط الجيش فى الصراع السياسى؟، المؤكد أن القوى الخارجية التى تكره أن تكون مصر قوية هى صاحبة المصلحة الأولى فى تأجيج الصراع السياسى، ومحاولة إقحام الجيش فيه، هنا يبدو غمز الكاتب إلى إسرائيل بشكل محدد، ثم لقوى أخرى لا ترى الخير لمصر كأثيوبيا، وبعض الفصائل الفلسطينية التى ترى فى وصول الإخوان للسلطة مجالا لبقائها هى فى السلطة، بمعنى بقاء الفصل الجغرافى بين الضفة وغزة، وهى نظرة ضيقة تخدم مصالح إسرائيل أيضًا، الطرف الآخر الذى له مصلحة فى توريط الجيش هو جماعات العنف والإرهاب، التى يقف الجيش لها بالمرصاد، سواء التنظيمات الجهادية السلفية فى سيناء، أو الخلايا النائمة للقاعدة، والتى يعتبرها البعض جاهزة للوثوب، ومتحينة الوقت الملائم للخروج، بعد انشغال الجيش بالشارع.
أبعد كل ذلك، لا تزال القوى السياسية بمختلف أطيافها تومئ للجيش وتغمز وتلمز له بالتحرك لأخذ جانب هذا الطرف أو ذاك !!، لكى الله يا مصر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة