حالة من الذعر أصبحت تضرب الإعلام المصرى بعد سيل من البلاغات ضد الإعلاميين ومثولهم أمام النيابة. عودة أسلوب القمع وتكميم الأفواه يشير إلى تراجع مريب فى عالم الإعلام المكتوب والمرئى ولا أحد يعرف مداه، لأن هذه المهزلة لا تنبئ عن دولة مدنية كنا نحلم بها.. الإعلام يحتمل النقد بالإيجاب أو بالسلب أو كليهما معاً.
أما أن نترك الأمر لكى يصل الإعلام أن يكون مجرد بوق للدعاية فهذا هو الكارثة التى لا يمكن أن ينمو المجتمع معها. فى مصر حالياً تثار مجموعة من الأزمات أولاً حول برنامج «البرنامج» الساخر الذى يقدمه الإعلامى الفنان باسم يوسف، وقد نجح بشكل ملحوظ وصارت له شعبية كبيرة، وباسم يوسف يقدم برنامجاً نقدياً مثله مثل عشرات البرامج العالمية، التى تتعرض بالنقد لكل الرؤساء والرموز بمن فيهم «أوباما»، من خلال أكثر من إعلامى، ولم تكن أبداً هناك أية ردود فعل ضد هؤلاء، أو أى توجس فى مواجهة الحرية للنقد الصريح أو الرمزى، ولهذا فأنا أجد أن تضامن البرامج العالمية مع باسم يوسف يؤكد تألقه ومهنيته، القضية أكبر من نقد برنامج، بل تصل إلى شكل الإعلام المصرى والمساس بكيانه وتاريخه، أصبحت هناك حالة من التوجس فى كل ما يقدم من الإعلام وهذا فى النهاية ليس أبداً فى صالح النظام، فالحرية ونقد الأوضاع جزء أصيل من جذور المجتمع المثالى.. اليوم نجد تصاعد حدة البلاغات وقد طالت مجموعة من الإعلاميين بل تجاوزت إلى إنذار لقنوات «سى. بى. سى» بكل ما فيها من برامج وإعلاميين.. هى حالة مدهشة أن تصل إلى رموز إعلامية لها كل تقدير وتمتلك تاريخاً نقدره وكم قدمت للجماهير تنويراً وأصالة.. الإعلامى الناجح خيرى رمضان أحد هؤلاء الذين طالتهم الإنذارات وهو واحد من الذين نضع تحت أسمائهم ظلالاً من التقدير وشموساً من العطاءات.. يتميز بصراحة مطلقة وهو لا يقبل التنازلات أو النفاق، وإعلامى متميز آخر هو جابر القرموطى وصله طلب استدعاء للنائب العام، حقاً شىء مؤسف لا يليق بتاريخ مصر.. أن يحاصر الإعلام بهذا الأسلوب.. حصار قانونى وحصار نفسى وحصار فعلى لمدينة الإنتاج الإعلامى لا نعرف له مثيلا فى أى دولة فى العالم، الإعلامية ريهام السهلى تتعرض لهجوم أثناء دخولها مدينة الإنتاج الإعلامى وينتج عن ذلك تهشم سيارتها، فى محاولة لإرهابها.. وإنذارات بالجملة للإعلامية الكبيرة لميس الحديدى.. هل يمكن أن يصل بنا الحال إلى ما نحن عليه؟ إنها أزمة وكارثة، ليس لها مثيل، والمدهش أن الإخوان المسلمين أنفسهم كانوا ينتقدون القمع أيام العهد السابق، فإذا بهم اليوم نجدهم يصلون إلى مرحلة قمع القمع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة