المصرى لم يعد متسامحًا، هل هذه هى الحقيقة، أم أنها تسطيح وتبسيط وتعميم للأمور، ما يحدث من شواهد وظواهر بالمحروسة، يشير إلى أن هناك مشكلة، لكن ما سبب تلك المشكلة، وما السبيل إلى الحل.
بدايةً، نشير إلى أن هناك ظواهر متعددة لكى نقول أن سمة التسامح المعروف عنها الشعب المصرى، والتى تأثرت بها الفواعل والقوى السياسية باعتبار هؤلاء ضمن الشعب المصرى، تلك السمة أصبحت فى حالة اضمحلال، وهو ما يمكن تلمسه بين أركان المجتمع والدولة المصرية.
استشراء العنف السياسى داخل الدولة، واستفحال تلك الظاهرة، فى العقد الأخير مقارنة بما هو سابقه، وبعد الثورة بما سبقها، هى أبلغ شاهد على سيادة ثقافة عدم التسامح، التى تمردت عليها تلك القوى، هنا نشير إلى أعمال حرق المقرات الحزبية (الحرية والعدالة والوفد - نموذجًا) واستخدام العنف والتهديد به أمام قصر الاتحادية فى 5 ديسمبر الماضى، وأمام مدينة الإنتاج الإعلامى أكثر من مرة.
وبالمقابل تظهر حالة من استشراء العنف الاجتماعى المادى واللفظى بين الأفراد والجماعات، ما يظهر فى كثرة المشاجرات فى الشارع المصرى، وحالات الإصابة الناتجة عنها، خذ مثلا حيًا سبل التعليق والتعقيب على المقالات فى هذا الموقع الإلكترونى، وغيرها وغيرها من الأمور، كل ما سبق أصبحنا نلمس زيادته جميعًا فى زيادة العنف، أى تحول القتل إلى تمثيل بالجثث بعده، كما زادت ابتكارات النصب على المواطن المصرى مستغلا سذاجته، مما أثر على قيم النخوة والإثار التى اتسم بها المواطن، بعبارة أخرى، أصبح المواطن يخشى من نجدة المحتاج خشية أن يكون هذا المحتاج ينصب له شراك الخديعة.
السؤال الثانى الآن، ما سبب انتشار عدم التسامح؟، لا شك أن تلك المشكلة لا يمكن التعويل على عامل واحد أو اثنين فقط لتبرير وجودها، إذ إن هناك ثلة مجتمعة من الأسباب، يختلف وزن كل منها بين حدث وآخر، هنا نشير لما يلى:-
الأنانية: وجود حالة من الأنانية المفرطة بين الأحزاب والقوى السياسية على حساب مصلحة الوطن، وذلك كله رغبة فى أن يحقق طرف غايته من التمكين، ويحقق الآخر رغبته فى عدم استقرار الحكم، ويحقق البعض الثالث رغبته فى استعادة الهيمنة المفتقدة قبل الثورة ....إلخ.
غياب الأمن: ويقصد بغياب الأمن شعور وإدراك المواطن أنه بإمكانه فعل ما يريد طالما لا يوجد رقيب ممثل فى الأمن أو عنصر الشرطة، وهذا العامل مهم للغاية لأنه حادث بشكل واضح عقب ثورة يناير التى أصابت الأمن فى مقتل.
غياب القانون: ويقصد به قيام الفرد بأخذ حقه أو ما يعتقد أنه حقه بيده فى ظل إدراكه بغياب قيمة العدالة، أو تأخرها، أو تطبيقها حسب الأشخاص المخاطبين بأحكامها.
غياب التوافق: يعد غياب التوافق بين القوى السياسية أحد العوامل المهمة لغياب التسامح داخل الدولة المصرية، وهذا التوافق عماده أربعة أمور، شموليته لكافة الفواعل بما فيها أركان النظام السابق غير المتورطين فى الفساد وانتهاك حقوق الإنسان، وطرح الجميع أجندة الحوار، وضمان تنفيذ نتائج الحوار، ومراقبة وعرض الإعلام للحوار ونتائجه على الرأى العام.
استفحال الأزمات الاقتصادية: يقصد به أن زيادة حدة ارتفاع الأسعار والتضخم والبطالة وغيرها هو أمر يؤدى حتمًا إلى استشراء العنف وغياب التسامح، لأنه أحيانًا ما يعبر عن هذا التأثر بتلك الأمور من خلال أعمال عنف اجتماعى .
استشراء الأزمات الاجتماعية: تعنى الأزمات الاجتماعية الأزمات الناجمة عن التباين بين المواطنين بسبب النوع أو اللون، وفى مصر تحديدًا يبرز عدم التسامح فى الخلاف بين المواطنين على أساس الدين (المسلمون-المسيحيون)، والخلاف فى المكانة أو الطبقة الاجتماعية (الفقراء- الأغنياء).
وأخيرًا، ما السبيل إلى الوصول إلى التسامح؟، مما لا شك فيه أنه لا مجال لعودة التسامح إلا بحلحلة المشكلات السابقة، قد يقول قائل إن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية ربما يأخذ حلها وقت طويل، وأنه لا سبيل من الانتظار لهذا الحل حتى نشاهد عودة التسامح مرة أخرى بين المجتمع والدولة، هنا يبقى دور الصبر على البلاء، والتمسك بالقيم، وهنا أيضًا يكمن دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية لتمارس دورها السياسى والاجتماعى، ويقصد هنا دور المؤسسات الدينية الرسمية (المسجد والكنيسة)، ودور الإعلام (الصحافة والتليفزيون على وجه الخصوص)، والأحزاب السياسية، والأهم من كل ما سبق مؤسسات التعليم والمناهج التى تحث الأبناء على الفضيلة، الأمل كبير كبير فى عودة التسامح، ونسيان الظلم والظالمين، والعفو عن المخطئ، أدعو الله أن أبدأ بنفسى، وأدعوكم أن تبدأوا أنتم الآن.. كيف؟، لى رجاء أن لا يسبنى أحد هذه المرة فى التعقيب على تلك المقالة، وإن كنت أرحب بالاختلاف معى.. وعلى الله قصد السبيل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة