القضاء به بعض من فساد عصر مبارك مثل كل شىء فى مصر، وصاحب هذه السطور كاد أن يضيع بعض من عمره داخل السجون بسبب مقال نشر سنة 2009 تحت عنوان (نظفوا منصة القضاء تحصلوا على مصر أكثر بياضا).. ولكن كيف ومتى؟، كيف يتم تطهير القضاء، وبأى طريقة تتم ومن يخترع تلك الطريقة ومن مسؤول عنها؟..تلك أمور وإجابات يطول شرحها والنقاش حول إجاباتها، ولكن المفهوم أن أى محاولة لتطهير القضاء يسبقها تشويه سمعته وضرب هيبته فى مقتل مثلما فعل الرئيس والإخوان المسلمين فى المحاولة غير المنشودة، أو بمعنى أصح هى الهجمة التى تهدف للإخضاع لا للتطهير.
الهجمة الإخوانية الرئاسية على القضاء لها أهداف أهم من التطهير عند مكتب الإرشاد، والهدف الواضح من الأمر أن الجماعة التى فشلت فى تمرير مشاريعها وقوانينها فى الشورى وفى الرئاسة لأنها أجهل من أن تتعامل مع القانون أو أجهل من أن تتحايل عليه، قررت أن تقفز فوق كل شىء وتضرب القانون فى مقتل طالما هو العائق الوحيد أمام أحلام ومشروعات الجماعة.
وإذا كان الإخوان ومن قبلهم الرئيس يسعون لترويج الفكرة القائلة بأن القضاء والفساد هو المسؤول عن ضياع حقوق شهداء يناير، فإن الواقع يقول بأن الدكتور مرسى هو المسؤول الحقيقى عن تلك المهزلة.
محمد مرسى بالقانون وبحكم وظيفته ملزما أمام الجميع بفضل وعوده المسجلة بالصوت والصورة فى اللقاءات التليفزيونية، وخطبه المرتجلة بأن يقدم للناس عقابا أكبر مما حصل عليه مبارك والعادلى فى المرة السابقة، والأهم من كل ذلك أن محمد مرسى سيصبح المتهم الأول بإهدار القصاص لشهداء ثورة 25 يناير، إذا لم ينجح هو والسلطة التنفيذية التى يجلس على رأسها، بتوفير جميع الأدلة التى تضمن إدانة قوية لمبارك والعادلى، ويبدو مأزق مرسى أكبر من إمكانياته إذا وضعت فى الاعتبار أمرين لا ثالث لهما فى هذه المرة.
الجزء الأول من محاكمة مبارك والعادلى وباقى المتهمين بقتل الثوار الذين حصل أغلبهم على البراءة، تم إسدال الستار عليه، تحت بند عدم كفاية الأدلة وتقصير الجهات الأمنية والمخابراتية فى تقديم الدعم لجهات التحقيق.
بمقتضى الوضع الحالى ووجود مرسى على رأس الدولة، وافتراض تحكمه فى جميع المؤسسات، وإعلانه هو السيطرة عليها بعد الإطاحة بالمشير وعنان والمجلس العسكرى، سيصبح مرسى ملزما بإجبار المخابرات والأمن الوطنى -أمن الدولة سابقا- والمخابرات الحربية بتقديم جميع الأدلة التى تدين مبارك وتسهل الحصول على محاكمة سريعة.
فى بداية محاكمة مبارك ورموز حكمه والضباط المتهمين بقتل المتظاهرين، رفعت جهات التحقيق النيابية شعارا يحمل تحذيرا واضحا، يخص عدم توافر أدلة جدية، بل وأعلنت النيابة وبوضوح شديد، أن الجهات الأمنية لم تقدم لها المساعدة الكافية أثناء التحقيق، ثم جاء دور المستشار أحمد رفعت الذى أعلن من فوق منصة المحكمة يوم 2 يونيو، أن المحكمة بذلت ما فى وسعها فى نظر هذه القضية فى إطار ما تم توفره لها من أدلة ومعلومات دون أن ينسى التأكيد على أن الكثير من الأدلة الخاصة بالقضية، تعرضت لعملية طمس واضحة.
كل هذه التأكيدات القضائية والحقوقية على وجود تقصير واضح من أجهزة المخابرات، والأمن القومى، تلقى بالمسؤولية فى إخضاع هذه الأجهزة وإجبارها على فتخ خزائن أسرارها خلال أحداث ثورة 25 يناير أمام جهات التحقيق على عاتق محمد مرسى الذى أعاد هيكلة بعض هذه الأجهزة، وقام بتعيين رؤساء ومديرين جددا لها بشكل يجعل من صدور أى تصريحات تتعلق بأن هذه الأجهزة تحارب الرئيس أمرا سخيفا وغير مقبول. ملخص الحكاية إذن فى يد الدكتور محمد مرسى، وملخصها الأكثر تبسيطا، يمكننا أن نفهمه طبقا للأغنية الشعبية الحكيمة التى يمكن تطويعها لتقول: «الشعب عاوز القصاص للقتلة.. والإدانة عند المحكمة.. والمحكمة عاوزة أدلة.. والأدلة عند الأمن والمخابرات.. والأمن والمخابرات بيقولوا معندناش.. ومرسى هو الرئيس.. والرئيس عنده القرار.. والقرار لو مطلعش.. يبقى الرئيس هو المسؤول».. خلصت الحكاية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة