لا يوجد مقياس محدد لقياس شعبية الإخوان المسلمين، فى الوقت الراهن، فانتخابات مجلس الشعب الأخيرة التى جرت الجولة الأولى من المرحلة الأولى، منها يوم 28 نوفمبر2011، والجولة الأخيرة من المرحلة الثالثة منها يوم 11 يناير 2012، والتى حصد فيها الإخوان 227 مقعدا من مقاعد المجلس البالغة 498 مقعدا، لم تعد مؤشرا كافيا على تلك الشعبية، فمن حيث الشكل، جرت تلك الانتخابات منذ أكثر من عام، ومن حيث المضمون، فإن الأحداث التى وقعت فى المحروسة خلال تلك الفترة الطويلة تغير مواقف الناخبين، فقد عرفت مصر وجود رئيس للدولة، وحكومة لها أداء، وشارع ساخن بالأحداث، وعلاقة بين السلطات متبدلة وملتبسة إلى حد كبير.
أما انتخابات الرئاسة التى جرت فى جولتها الثانية فى 18 و17 يونيو 2011، أى منذ أكثر من 9 أشهر، فلا نقول فقط أن أحداثا كثيرة وقعت فى الشارع المصرى كافية لتغيير تلك الشعبية، بل وأيضا أن نتيجة الانتخابات ذاتها التى حصل فيها الرئيس الدكتور محمد مرسى مرشح جماعة الإخوان المسلمين على 51.73% من أصوات الناخبين، كان جزء معتبر منها (يقدره البعض بالربع والبعض بالثلث والبعض بالنصف) من الأصوات العقابية، التى تنتمى للتيار الثورى من الليبراليين واليساريين الذين وقفوا ضد الفريق أحمد شفيق، رغبة فى الحفاظ على ثورتهم وعدم عودة النظام السابق.
كما كانت أصوات معتبرة أخرى من تلك النسبة تخص التيارات السلفية، التى وجدت فى الإخوان صوتا إسلاميا، واكتوى بعضها بنار النظام البائد.
من هنا فالمؤكد أن الإخوان سيخسرون أى انتخابات رئاسية إذا ما أعلن عن انتخابات مبكرة، كما أنه من المؤكد أنهم لن يحصلوا فى الانتخابات البرلمانية على ذات النسبة التى حصدوها لو جرت الانتخابات اليوم، والسؤال الآن لماذا تبدلت شعبية الإخوان إلى هذه الدرجة، هذا السؤال يجب أن تسأله الجماعة لذاتها، إذا كان لديها ولو قدر يسير من الرغبة فى تحسين أدائها، ورغبة فى نقد وتقييم الذات، حتى لا يصل البعض إلى حقيقة أن جماعة الإخوان ربما تكون أكبر "مقلب" تجرعه الشعب المصرى فى حياته السياسية منذ تأسيس الدولة المصرية الحديثة فى مطلع حكم محمد على باشا عام 1805م.
بعبارة أخرى، ما الذى أوصل الإخوان لهذه الدرجة من التدنى فى الشعبية؟ وبداية يجب الإشارة إلى أن الأمر لا يعنى أن شعبية جبهة الإنقاذ فى تزايد مقابل هذا التدنى، بل ربما يعنى أن الشعب المصرى مل هذا وذات، هنا سنشير لبعض الصفات، والقليل من الأمثلة التى تدعمها، وجميعها يخص أمر واحد وهو النفاق، ويمكن أن نستفتح هذا الموضوع بالحديث النبوى الشريف.
يقول المصطفى- صلى الله عليه وسلم- "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" صدق رسول الله.
فإلى أى حد وصل أصدقائنا فى جماعة الإخوان بين حاملى هذه الصفات الخبيثة:
خيانة الأمانة: أهم منابع خيانة الأمانة، حنث الرئيس بيمينه عند تأكيده على رعاية مصالح الشعب، إذ أنه مقابل هذا اليمين ارتكب عشرات الأخطاء، نذكر منها العصف بالحريات العامة، والسعى لأخونة الدولة المصرية بهياكلها الإدارية، على النحو الذى أفصح عنه حزب النور، فى قائمته الشهيرة بآلاف المواقع والمناصب التى تم أخونتها، دون أخذ الجدارة والكفاءة فى الاعتبار.
الكذب: أهم أساليب الكذب هى اتباع نفس أساليب النظام السابق فى التلاعب بالبيانات والإحصاءات لإثبات نجاح زائف، خذ على سبيل المثال خطاب الرئيس الشهير بعد 100 يوم من توليه مهامه، والذى سعى فيه إلى التأكيد على نجاحه فى اجتياز عقبات الانفلات الأمنى، وتوفير الطاقة، وحل أزمة المرور، وتوفير الخبز، وجمع القمامة وتوظيفها.
الغدر بالعهد: هنا حدث ولا حرج، لكن يكفى كارثة مرشد الإخوان المسجلة صوتًا وصورة بما أسماه "عهده إلى الله بعدم ترشيح إخوانى لمنصب الرئاسة"، وهو ما يبرر من وجهة نظره فصل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وإذ بالرجل يرشح شخصان، وهما المهندس خيرت الشاطر، والدكتور محمد مرسى، وذلك تحت دعوى تغير الظروف، وهى الشماعة التى يعلق الإخوان عليها كافة آثام الغدر بالعهد التى مردوا عليها واستمرأوها.
الخصام: مقاطعة الخصوم مقاطعة شبه تامة، تطال التداخل بين الشخصى والسياسى، وذلك كله رغبة فى الاستحواذ، وهو ما حدث مع القوى السياسية الأخرى بما فيها السلفيين من أعضاء حزبى النور والوطن وغيرهم، وهو ما يشمل تنحية الفواعل السياسية الأخرى جانبا من أية حوارات، من خلال فرض الشروط على الحوارات، خاصة أجندة الحوار، وعدم اشتراط تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، بما يتسبب فى مقاطعة الآخرين للحوار، وإظهارهم زورا وبهتانا بأنهم هم المقاطعون.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة