خالد فاروق

دولة الميكروباص

الجمعة، 22 مارس 2013 06:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا أردت أن تحكم على تقدم دولة عندما تطأ قدماك أرضها فانظر إلى وسائل مواصلاتها، فإذا كانت تحترم آدمية الإنسان وتحفظ له كرامته، فاعلم أن تلك الدولة تصنف ضمن الدول التى تحترم حقوق الإنسان.

ما أن يصل الأتوبيس إلى مكانه المرسوم على الأرض فى دولة ألمانيا إلا وسائقه الذى يبدو فى هيئة تدل على أنه طيار، ينزل إلى الرصيف، وإذا كان مدخنًا يشعل سيجارته فى الهواء الطلق بعيدًا عن أتوبيسه المغلق، وإذا حضر موعد انطلاقه، يلقى بسيجارته فى (طفاية السجائر) ويصعد إلى الأتوبيس لينطلق فى ميعاد لا يتأخر عنه ثانية واحدة، لأنه يتحرك ضمن جدول زمنى يفصل المحطة عن التى تليها وضعته الهيئة العامة للمواصلات سلفًا ضمن كتاب سنوى لكل المواصلات داخل المدن الألمانية.

نحن لا نعقد مقارنة فهى ظالمة وبعيدة كل البعد عن الواقع المرير الذى نعيشه، ولكننا نقرب الصورة للقارئ ليعرف الفارق بين دولة تحترم الإنسان وأخرى تتركه فريسة لكل من يريد أن يتحكم فيه ويستغل حاجته للخدمة اليومية دون رقابة أو تنظيم يشعره أنه فى بؤرة اهتمام الدولة.

لا أعرف أين ذهبت أتوبيسات هيئة النقل العام، فمنذ أن طل علينا السيد "ميكروباص" بطلعته البهية وأصبح الوسيلة التى تخدم السواد الأعظم من الشعب المصرى دون هيئة أو مؤسسة تنظم حركته وتتحكم فى تعريفته التى يفرضها على الراكب، وهى عرضة للزيادة العشوائية، ناهيك عن أسلوب المعاملة ونوعية السائقين إلا من رحم ربى ممن يتمتعون بدماثة الخلق فى زمن عزت فيه الأخلاق وتوارت وراء أساليب البلطجة وندرة الحياء.

نحن نحتاج إلى حكومة قوية لديها الإمكانيات المادية والإرادة السياسية التى تنظم حياة المواطنين، ولا تتركهم عرضة لوسائل نقل عشوائية، لا نرفض أن يكون هناك وسائل مواصلات مساعدة لهيئة النقل العام ولكن على أن تخضع لمراقبة وتنظيم الهيئة، لا أن نترك المواطن يعانى من جشع السائقين.

نحن نشجع القطاع الخاص ولكن الذى يخضع لنظم إدارية ثابتة تضعها الدولة، حتى تخضع وسائل المواصلات العامة والخاصة لنظم ومرجعية تحمى المواطن من عشوائية التعامل.

إذا خرجنا من حلقة الميكروباص نجد أنفسنا أمام ظاهرة تفشت بشكل واضح وصريح، ألا وهى تحويل الشوارع العامة التى تمتلكها الدولة إلى مواقف يشرف عليها " عنوة" أناس يبتزون من يضع سيارته لقضاء حوائجه، فإذا برجل يظهر فى المشهد يطالب صاحب السيارة أو سائقها بأن يدفع ثمن وقوف سيارته فى شارع عام وإلا تعرضت سيارته للسرقة أو التحطيم، وهو لا يعلم أن نصف أو أكثر من يمتلكون سيارات ملاكى قد حصلوا عليها بالقسط ويدفعون ربما أكثر من ربع الراتب لسداد ثمنها، حتى يصون نفسه وأسرته من وسائل المواصلات التى لا تحترم آدميته، وإذا به يتعرض لنوع آخر من البلطجة والإبتزاز ممن يسيطرون على الشوارع العامة والطرق دون رقيب وفى غياب تام لرجال الأمن.

إذا كانت تلك الساحات تسمح بوجود سيارات بها، فلماذا لا تستغلها الدولة وتشرف عليها وتعين عليها من يحتاجون لهذا العمل مقابل راتب شهرى وتعريفة رمزية من أصحاب السيارات، مما يساهم فى حل مشكلة البطالة دون إبتزاز أو بلطجة.

كل تلك المفارقات السلبية ترجع إلى عدم سيطرة الحكومة على مقاليد الأمور، فلا نظام ولا مراقبة للشارع المصرى، لك الله يا شعب مصر.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة