كل الطرق تؤدى إلى أمريكا.. فمن يكسب رضاها تفتح له أبواب السعد والسلطة والحكم، ومن تغضب عليه قولوا رحمة الله عليه، فسوف تدور عليه الدوائر، وحتى إشعار آخر، فأمريكا تريد استمرار الإخوان فى الحكم لسنوات طويلة قادمة، كما صرحت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية منذ أيام، لأنها هى التى مهدت طريقهم إلى الحكم رغم أنف طنطاوى والعسكر، والآن تنصح المعارضة وجبهة الإنقاذ بالهدوء والتروى والعمل تحت مظلة النظام القائم حاليا.. يعنى لا تأملوا ولا تتعشموا ولا تشطحوا ولا تحلموا بتكرار ما حدث مع مبارك، فالذكاء السياسى يقول إن اللعبة لا يمكن أن تتكرر مرتين بنفس اللاعبين.
قالها الدكتور مصطفى الفقى فى أواخر أيام مبارك «إن الطريق إلى كرسى الحكم فى مصر لا يكون إلا بمباركة أمريكا وإسرائيل»، وقامت عليه القيامة واتهموه وخونوه وهاجموه، وكتبت يومها مدافعا عنه ومؤيداً وجهة نظره، ولكن لم يكن لدى النظام السابق قدرة على فهم أسباب انقلاب أمريكا على مبارك، وكان الأكثر عداءً له بوش الابن ووزيرة خارجيته كوندليزا رايس، وكان السبب الحقيقى لانقلاب أمريكا على مبارك هو رفضه مشروع بوش بنشر قوات سلام عربية «مصرية سورية» فى العراق وانسحاب القوات الأمريكية إلى خارج المدن، حتى يقلل من الخسائر الفادحة فى الأرواح بين صفوف القوات الأمريكية، ويتجنب الغضب الشديد الذى كان يعم الرأى العام فى أمريكا، فوقفوا ضد مبارك فى مشروع التوريث وردوا له الصاع صاعين وثلاثة وعشرة، وزرعوا له ألغاما فى الداخل انتهت إلى الإطاحة به، فعلوها مع عبدالناصر الذى كان شعار حكمه «ومفيش مكان للأمريكان بين الديار» وأطاحوا به فى هزيمة يونيو 67 «الموت الإكلينيكى» لعبدالناصر.
أما السادات، سامحه الله، فهو الذى غير منظومة توازن القوى فى الشرق الأوسط وجاء بأمريكا بدلا من الأتحاد السوفيتى الأسوأ من أمريكا، ووضع فى يدها %99 من أوراق اللعبة «السلام» ولم تستطع أمريكا أن تنقذه من القتل على يد الجماعات الإسلامية الذين كانوا أعداء أمريكا فى ذلك الوقت، قبل أن تتبدل القلوب وتتغير الأفئدة، ويتحول العداء إلى ود وصداقة، ولو طبقنا «قانون أمريكا فى التعامل مع مصر» على ما يحدث حاليا فى الساحة المصرية، وما موقف أمريكا بالضبط من اللاعبين الرئيسيين «الإخوان والسلفيين والإنقاذ والثوار»، نرصد ما يلى:
أولاً: تريد أمريكا استمرار الإخوان فى الحكم لأطول فترة ممكنة، لأسباب تتعلق بمصلحة أمريكا وإسرائيل، خصوصا فى التهدئة بين حماس وإسرائيل والدور القادم فى تنفيذ سيناريو إقامة الدولة الفلسطينية، واللعب بجبهة إسلامية أخرى بقيادة مصر ضد النفوذ الإيرانى واستخدام الإخوان كناقلى رسائل واشنطن إلى طهران، علاوة على أن الإخوان خلصوهم من مبارك الذى انتهى دوره وأصبح ضرره أكثر من نفعه.. وفى المقابل فهم يدعمون الإخوان بتثبيت قواعدهم فى الحكم، وامتناعهم حتى الآن عن تشجيع معارضيهم أو تقوية شوكتهم.
ثانياً: بالنسبة للسلفيين فاعتقادى أن أمريكا فوجئت بحجمهم وانتشارهم، وسوف يصبحون الحصان الأسود الجديد الذى تلعب عليه أمريكا بنفس الأدوات القديمة، وهى فتح قنوات اتصال ولقاءات مباشرة وسرية معهم، واستخدامهم كعصا غليظة فى وجه الإخوان إذا لزم الأمر، فربما يكون لهم الحكم فى المستقبل، فتمهد لهم أمريكا الطريق بنفس السيناريو السابق، وخدمة مقابل خدمات.
ثالثاً: بالنسبة للإنقاذ والثوار أقول «جيم أوڤر» فالبرادعى الذى كان الكارت الذهبى للثورة عند أمريكا أصبح الآن محروقاً، والشباب والشابات مثل وائل غنيم وأسماء محفوظ وغيرهم دخلوا شرنقة الصمت ولن يخرجوا، واللهو الخفى يغتال القادة الميدانيين من شباب الثورة واحداً تلو الآخر كالعصافير.. وسوف تصاب هذه الجبهة فى المستقبل بموجات متتالية من الإحباط، لأن رموزها وكوادرها ما زالوا يراهنون على أمريكا، منتظرين منها ضوءا أخضر جديدا للثورة على الإخوان والإطاحة بمرسى، وهو رهان خاسر، وأمريكا لن تعطيهم ضوءًا أخضر ولا أصفر لأن مصالحها حتى الآن مع الإخوان.
الخلاصة، أن إمريكا لا تعمل إلا لصالح أمريكا، ولا تصافح إلا من يخدم أمريكا، ولا تصادق إلا إسرائيل.. وإذا تصور الإخوان أنهم حصلوا على تفويض من أمريكا لحكم مصر، فسيكون مصيرهم أسوأ من النظام السابق.. وخذوا العبرة من مأساة مبارك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة