كرم جبر

الكوميديا السوداء للمسحول!

الأربعاء، 06 فبراير 2013 10:29 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اعذروه ولا تلوموه فقد تحمل "حمادة صابر" فوق طاقة البشر، تارة بالضرب والسحل والإهانة والوحشية والهمجية، وتارة أخرى بالغواية والإغراء والوعد بالنعيم، فماذا يفعل هذا المواطن الغلبان الذى وجد نفسه فى مواجهة الداخلية بترهيبها وترغيبها، فتصور أنه سينجو من قبضتها إذا أنكر فيديو السحل، الذى شاهده الملايين وأطار النوم من عيونهم، وأراد بكذبه أن ينقذ نفسه وأسرته وعائلته من البهدلة والتنكيل، ففوجئ أنه يجلب لهم الخزى والعار، وأراد أن يقنع نفسه بأنه لم يُسحل ولم يُهن، ولما عرضت عليه النيابة الفيديو الفضيحة انهار وبكى ورجع فى أقواله، فلم يصدق أنه هو نفسه تلك الذبيحة، التى تتلوى على الأسفلت.

فجأة وجد "حمادة" نفسه يتحول من متظاهر مجهول يهرول أمام العساكر، إلى "v.i.p" تلهث وراءه الفضائيات، ويُعالج فى جناح خاص بمستشفى الشرطة، تحت رعاية معالى الوزير شخصيا والسيد اللواء مسئول حقوق الإنسان، وفريق من خيرة الأطباء يسهرون عليه باليل والنهار، همساته أوامر وإشاراته تعليمات وكلامه لا يصد ولا يرد، أما السيدة حرمه فلم تصدق نفسها بعد أن تهافت اللواءات على رضاها حتى تحكم السيطرة على زوجها، فلا ينفلت لسانه بكلام غير مباح، وإن لم تفعل ما تؤمر به فالويل كل الويل، ولا أدرى متى كانت الشرطة رحيمة وتعالج مصابى المظاهرات فى مستشفياتها وتحيطهم بهذا القدر من الرعاية والاهتمام.

لا تلوموا "حمادة" فقد تصور أنه سوف يودع الفقر والبطالة إذا تصالح مع السحل والإهانة، فزين أكاذيبه الساذجة فى اعترافاته الأولى بأحلى كلام عن الضباط والعساكر الطيبين، الذين أنقذوه من بطش المتظاهرين الأشرار، بعد أن شُبه لهم أنه شرطى متخف فى جاكت أسود، وكان كلامه كالكوميديا السوداء التى تنتهك ضمير المجتمع وتحتقر وعيه، وهو يرى عملية تلفيق وخداع مفضوحة من سلطة جائرة، من المفترض أن توفر الأمن والطمأنينة للناس، لا أن تستبيح عقولهم ثم تخطط لإفلات الجناة بجريمتهم وتعلق على صدورهم الأنواط والنياشين، وكأن الملايين الذين شاهدوا الفضيحة قد شُبه لهم أن ركلات الأحذية والهراوات والصفعات ما هى إلا مجرد رحمة وعطف وحنان من الداخلية..

وكانت تمثيلية ساذجة وبايخة وسخيفة ويستحق مؤلفها وسام العار، لأنه تصور أنه سيُعمى عيون الملايين ليصدقوا تلفيقه وسطحيته.

ابنة "حمادة" التى اقترضت من خطيبها خمسة جنيهات لتعطيها لأبوها ثمن المواصلات من المطرية إلى روكسى للفرجة على المظاهرات، هى البطلة التى تستحق التقدير والاحترام لأنها لم تستسلم وظلت قوية رغم التهديدات، ولم تخف رغم ظروف أسرتها المأساوية المكونة من خمسة أفراد محشورين فى غرفة واحدة، دورة مياه ومطبخ مشترك.. أما زوجة حمادة فلم تكن على نفس الدرجة من الصمود والله وحده يعلم بماذا تم تهديدها، ولعلها سألت نفسها أين تذهب لعلاج زوجها مبلط المحارة الذى يعمل يوما ويتعطل بقية الشهر، وما طاقة هذه الأسرة الضعيفة المعدمة التى وجدت نفسها وجها لوجه فى مواجهة الداخلية بحنينها الكاذب وقوتها الظالمة،"إما إن تقبل ما نأمرك به أو نشيلك قضية مولوتوف"، الجنة أو النار.

مخطئ من يتصور أن "حمادة" ذهب إلى الاتحادية لإسقاط الدستور أوالتصدى لأخونة الدولة والقصاص للشهداء، ولكن لأنه عاطل وجزء من رديف البطالة التى تملأ البلاد طولا وعرضاً، ففكر فى اللجوء إلى الميدان بحثاً عن الأمل الضائع الذى راود الناس فى مستقبل مشرق وحياة كريمة ولقمة عيش شريفة.. الميدان الذى خذلهم وضحك عليهم ولم يف بوعوده وحطم أحلامهم على صخرة الفقر المتزايد والغلاء الفاجر والبطالة التى تضاعفت.. وأضاف لحمادة البهدلة والسحل والتعرية.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة