ماذا يفعل وزير العدل إذا خرج الناس فى الشوارع والميادين بالملايين، تحديا لقانون التظاهر الذى يجهز لإصداره، مثلما فعل أهالى مدن القناة مع حظر التجوال، الذى تحول إلى نكت ودورات رياضية واحتفالات؟ هل يكون الحل هو العدول عن القانون أم تطبيقه بالنار والحديد، وفى الحالتين سوف تخسر الدولة إذا رجعت فى كلامها، أو تعاملت مع مواطنيها بالعنف المفرط؟ ولماذا يتعجل الوزير إصدار القانون فى هذه الظروف الملتهبة فتزداد الأمور تعقيدا، ولا ينتظر حتى انتخاب مجلس النواب الجديد، فيرمى الكرة فى ملعب ممثلى الشعب أصحاب الحق الأصيل فى التشريع، ليتحملوا مسؤولية القانون فى مواجهة ناخبيهم الذين جاءوا بهم إلى البرلمان؟.
فى الظروف الراهنة سوف يواجه القانون مقاومة شديدة، لانعدام الثقة وأجواء الترصد والتربص، فالإخوان الذين جاءوا للحكم بالمظاهرات لا يريدون للمعارضة أن تستخدم ضدهم نفس السلاح، والمعارضة لم يعد فى يدها غير هذا السلاح، بعد تجريدها من غنائم السلطة التى استولى عليها الإخوان وحدهم، ومن هذه الزاوية ينظر كل طرف للقانون، بغض النظر عن الضمانات الوهمية الناعمة التى تقال لتبريره.. ومهما حسُنت النوايا فلا يمكن التسليم بكلام وزير العدل، الذى يؤكد أن القانون من أجل مصلحة المواطنين، وأنه يلبى احتياجاتهم فى التظاهر السلمى، ويحمى أرواحهم وممتلكاتهم ويقاوم المخربين والمندسين. وبصراحة، هل الهدف من القانون هو «تنظيم» أم «تقزيم» حق التظاهر، وتحويله من سلاح فعال وأداة ضغط شعبية فى مواجهة النظام، إلى رحلات ترفيهية إلى ميدان التحرير بعيداً عن الداخلية والبرلمان ومجلس الوزراء والمتحف والمجمع والفنادق والأماكن المهمة بمائتى متر، لتصبح التظاهرات «فى الصينية فقط»، وأن يكون لكل تظاهرة مسؤول عن المشاركين فيها منذ أن يتسلمهم إلى أن ينصرفوا.. وهل هى بهذا الشكل تظاهرة لغاضبين يعبرون عن غضبهم بوسائل سلمية، أم موظفين يوقعون فى كشوف حضور وانصراف؟.. ولا يمكن التسليم بما يقوله وزير العدل - رغم عدم التشكيك فى حسن نواياه - بأنه أرسل يستطلع رأى الدول الأكثر ديمقراطية ليساير قانون التظاهر المصرى قوانينها، فقد تعودنا منذ زمن طويل أن نأخذ من الأنظمة العالمية أسوأ ما فيها، علاوة على أن الدول المتقدمة تحصن شعوبها بديمقراطية حقيقية تراكمت ضماناتها وثقافتها وحقوقها وواجباتها على مدى عقود طويلة، فليس عندهم تلفيق للقضايا ولا مكيالان ولا سحل وتعذيب. وزير العدل يظلم الدول المتقدمة عندما يجلب قوانين من مجتمعات راقية ومتعافية ومتسامحة ومنفتحة وغنية، ليغرسها فى تربة غير مناسبة وتحتاج وقتاً طويلا لتهيئتها وإصلاحها وتحسين أحوال الناس فيها: تحتاج - أولا - إلى استرداد هيبة الدولة بتغليب مصلحة الشعب فوق الجماعة، لينصاع الناس لعدل معصوب العينين.. وتحتاج - ثانيا - إعلاء مبدأ «قومية الشرطة» بدلا من تحويلها إلى جهاز قمع فى يد السلطة الحاكمة ضد شعبها.. وتحتاج - ثالثا - إلى إعادة ضخ أجيال الشباب الذين قاموا بالثورة فى عروق الدولة وشرايينها ومختلف مناصبها، ليهدأوا ويطمئنوا ويتأكدوا أن المستقبل لهم.. وتحتاج - رابعاً - الحوار، ليس على طريقة الطرشان وإنما باحترام الرأى الآخر، وعدم الاستعلاء على المعارضة وتسويفها وتعليق الاتهامات وأسباب الفشل فى رقبتها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة