بعد عامين على 25 يناير.. تقول النتائج الواقعية أن الثورة لم تحصل على العلامات الكاملة، ربما لأنها لم تجتهد ولم تذاكر كويس، وربما لأن المصحح ومراقب هذا الامتحان لم يكن منصفا ولم يوفر الأجواء المناسبة لنجاح ثورة وانتقالها من مرحلة التظاهر إلى مرحلة البناء.
بعد عامين من رحيل مبارك.. اختفى مبارك جسدا من قصر الرئاسة ولكن روحه تجسدت فى الوافد الجديد إلى القصر الرئاسى محمد مرسى والكثير من أهل التيارات والحركات الثورية.
الشىء الوحيد الذى تغير بعد مرور عام على الثورة أن المصريين لم يظلوا على حالهم «إيد واحدة» كما كانوا فى الميدان، المصريون اليوم يشتبكون فى الشوارع بالسلاح الأبيض والخرطوش والمولوتوف وبالألفاظ والأيدى واتهامات التخوين والعمالة لأن هؤلاء مع الإخوان وأولئك ضد الإخوان، فهل يمكن أن نبنى دولة بسواعد تريد كل منها أن تقطع الأخرى لا أن تساندها؟!
دولة البشر فى مصر خضعت للتقسيم الإجبارى وتحولت إلى ثلاث دويلات، الأولى تضم الخائفين.. هؤلاء الذين نجحوا فى إخافتهم من البلطجة والانفلات الأمنى والجوع القادم فخرجوا ينادون بأنه كفاية مظاهرات ولنجلس فى بيوتنا وندع أهل الحكم يتصرفون، والثانية دولة أصحاب المصالح.. هؤلاء المتحولون الذين أغرتهم المكاسب السريعة فتركوا مواقعهم فوق الجبل وهرولوا نحو الغنائم، أما الدولة الثالثة فهى للمحبطين.. هؤلاء الحالمون المحاصرون بالاتهامات والمصطلحات الشهيرة مافيش فايدة، وليس فى الإمكان أبدع مما كان، والشعب المصرى غير مؤهل للديمقراطية والصبر، «إنتم مستعجلين على إيه»، وغيرها من الكلمات التى أصبح استخدامها مكرراً فى وسائل الإعلام وعلى لسان السادة المسؤولين كلما وجدوا شبابا متحمساً أو جماعة أو تياراً سياسياً يضع خططا طموحة ويطلب توقيتات زمنية ووعوداً صريحة بالتنفيذ، هذه هى الخطة الحقيقية لتقسيم مصر.. تقسيمها بشرياً وليس جغرافياً، وتقسيم البشر لو تعلمون أقسى وأخطر لأن معه تبدأ حرب جديدة من الكراهية والتخوين، حرب بدأت نارها حينما تخيل كل طرف من الأطراف الثلاثة أنه أشرف وأطهر وأكثر وطنية من الطرف الآخر.. حينما تخيل شباب الثورة وبعض السياسيين أن فشل محمد مرسى أمر يعنى فى جوهره أن جماعة الإخوان بأكملها لا حق لها فى التواجد على ساحة السلطة أصلا، وحينما تخيل الإخوان أن وصول مرسى لكرسى الحكم يعنى تأميم مصر بأحلامها وأهلها وأرضها لخدمة مكتب الإرشاد، وحينما اتخذ المتحولون وأصحاب المصالح من ذلك الصراع، طريقا لتحقيق المكاسب وهدم الثورة نفسها.
قد يبدو الكلام السابق حديثاً رومانسياً لا يعبر عن حالة الانقسام والمعارك الدموية التى نعيشها يوميا فى المحافظات وأمام الاتحادية بسبب قلة حيلة وارتباك الرجل الذى يجلس على عرش مصر، وقد يبدو لك الكلام عاطفيا فى الوقت الذى أصبحت فيه هتافات التخوين ورفع الأحذية هى لغة الخطاب بين قطاعات الشعب المختلفة، ولكن يبدو لى هذا الكلام الآن ضرورياً حتى نتذكر جميعاً أن عامين فقط مضيا على رحيل مبارك ومع ذلك بدأ الناس فى الترحم على أيامه، ونتذكر أيضاً أن ثورة مازالت تحبو فى حاجة إلى التكاتف لكى تقوى على السير، وأن مدافع الكراهية والتخوين واحتكار مصلحة وحب الوطن التى تغذيها وسائل الإعلام والمتعصبون من أهل الائتلافات الثورية والحركات السياسية والجهلاء من المنافقين وأصحاب المصالح، لن تنزل دانتها ولا قذائفها سوى على رأس هذا الوطن بالخراب.
تذكروا يا سادة أن شهورا كثيرة مضت منذ 25 يناير 2011 ولم يتحقق شىء، تذكروا أن المجموع الذى حققته الثورة حتى الآن لا يؤهلها لعبور النفق المظلم الذى تسير فيه، تذكروا ذلك جيداً حتى لا نفاجأ جميعا بـ«كحكة حمراء» كتلك التى كان يحصل عليها الراسبون فى المدارس.. تذكروا وأخلصوا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة