تبدو الأمور فى جنوب السودان وكأنها خليط بين الانقلاب المنقوص والصراع العرقى والاختلاف السياسى بين القبائل المسيطرة، غير أن الحقيقة الكامنة تحت الرماد، تنذر بوجود تحالفات جديدة تتشكل فى قلب القارة الأفريقية التى من المتوقع أن تكون محور الصراع الاقتصادى العالمى فى العقود القليلة القادمة، فقد ساعدت قوى استعمارية قديما فى وضع بذرة التفتت والشقاق منذ سنين فى تلك البقعة الغنية بالنفط.
فى وقتنا المعاصر كانت قوى المصالح الكبرى فى العالم تراعى ألا يتعالى صوتها فى النزاع نحو السيطرة على الساق الاقتصادية لإقليم السودان، فتعالى الأصوات قد يجذب انتباه الضباع الاقتصادية الصغيرة التى تفسد على القوى الكبرى وجباتها -فبعد انفصال الجنوب رسميا فى عام 2011 لوح النظام المنفصل حينها على تفاوضه مع اليابان لتدخل شريكا فى استغلال النفط المستخرج من المنطقة- ويدرى الجميع أن الصين هى التى انتزعت هذه البقعة من أنياب النسر الأمريكى، وهى الواقعة التى تلتها حالة تبدو فى ظاهرها نوعا من التجاهل الأمريكى للنزاع فى إقليم السودان، اللهم إلا طلب الراحل جون قرنق حينها من الكونجرس الضغط على نظام عمر البشير والتلويح بعقوبات اقتصادية للرضوخ لشروط الانفصال.
الولايات المتحدة لن تتحمل كثيرا لعب دور المتمنع عن الاغتراف من النفط الجنوبى، الذهب الأسود هناك يسيل له لعاب كل الشركات الأمريكية التى تعلمت الدرس التاريخى بألا تركن لمصادر النفط التى فى يدها -حاليا تعتمد على الخليج والعراق وبعض دول أمريكا اللاتينية- ربما تحدث نفسها بأن مذاق النفط الجنوبى يختلف قليلا، وقد فتح الرئيس باراك أوباما نافذة أمل لجماعات المصالح حين قال أنه «سيتخذ أى إجراءات لحماية المصالح والرعايا والسفارة الأمريكية فى جنوب السودان».
فى دروس التاريخ تبحث الولايات المتحدة عن الطريقة الأنسب للسيطرة على أى منبع بترول تراه يغنيها عن اللجوء لمخزونها الاحتياطى من النفط، فقد تلجأ لنشر وتغذية الاضطرابات حينا أو الشقاق المذهبى أو العرقى أو الدينى، وتدعيم الانقلابات فى أحيان أخرى، وفى حالة جوبا ثمة غموض حول ضلوعها فى هذا الأمر قد يدفعها لأن تستخدم رجال المخابرات المركزية والمتعارف عليهم فى عالم العمليات القذرة بمصطلح «الثعالب الصغيرة»، لقدرتها على التسلل لدوائر المصالح والصراعات وإنجاز هدفها فى سرعة وسرية.
لكن الواضح أنها مازالت تتذوق النفط الجنوبى لتعلم إذا كان يستحق المخاطرة أم لا، حينها ستجد طريقة ما تكون مناسبة للتدخل دون أن تضعها فى الحرج الدولى أو الضغط الشعبى، فقد تعلمت من دروس العراق وأفغانستان، ربما تلجأ للطريقة الأكثر نعومة وقسوة، والأسرع إنجازا فى الوصول على هدفها بنشر ثعالبها الصغيرة فى المفاصل الرئيسية للخلاف الدائر بالجنوب حتى تكتمل لها السيطرة.
عدد الردود 0
بواسطة:
samir adam
ابحث عن المخابرات
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرية جدا
تحية الى الكاتب