بقدر ما أكره التعميم، والتنميط الجامد للبشر، وأرفض تحويل جموعهم الفائرة المتنافرة حينًا، والمنسجمة المتصالحة حينًا آخر، إلى نسخ متماثلة مكررة، كالألعاب الصينية الرخيصة، وبقدر ما أؤمن بأن المجتمع الصحى العفى، ليس يقوم على التماثل والتشابه، وإنما على اختلاف ألوان الفسيفساء التى تشكل لوحته الكاملة، وبقدر ما أرى فى منطق الأحكام الكلية، خطيئة لا ينزلق إليها وفيها، سوى أولى عقول خاملة بدائية.. بقدر هذا كله، وعلى الرغم منه، فإننى أقر بأن ثمة حالة ما، أصبحت من الشيوع والذيوع بمصر، إلى درجة أن يمكن اختزالها فى عبارة: "كلنا عاصم عبد الماجد".
بعد الجريمة الإرهابية، ضد ضباط وأفراد مديرية أمن الدقهلية، وهى الجريمة التى يصعب نفى علاقة الإخوان بها، انطلقت أبواق تروج بأقصى طاقاتها، إلى أن السحق هو الحل، ليس سحق الإخوان فحسب، وإنما سحق الكل، وإعلان الحرب على الكل، بذريعة أن الإرهاب لا يفهم إلا لغة الإرهاب، ومضى متشنجون يلعنون دولة القانون، ورفع "نخبويون" عقائرهم مطالبين بدق المسامير، فى لحم كل من يرتأى رأيًا مخالفًا، أو يعزف نغمًا من خارج "نوتة الجوقة" التى "ينهق" أفرادها جماعيًا.
كوميديان كبير، استبدت بقلبه لواعج الشوق، إلى حبيب العادلى، فأغدق على "الوزير المتهم بالقتل" قصائد المديح والغزل العذرى والصريح، فقد كان سيفًا بتارًا لجحافل الإرهاب، فى حين لم يخفِ كاتب معروف حنينه إلى الدولة البوليسية، معترفًا بأنه فاشى وإقصائى وقمعى، ولعل ما فاته بعد اعترافاته الصادمة، أن يعيّن نفسه مرشدًا عامًا، أو أمير جماعة، فيكون جزاء "كل كلب" يخرج عن سمعه وطاعته، قطع رجليه ويديه من خلاف!.
وإلى جوار هذا وذاك، أطل إعلامى بوجه "خُفّاشى" وصوت "صفيحى"، لينادى بالتخلص من الحكومة الحالية، فهى رخوة مرتعشة، وقد بلغت من العمر عتيًا، ونحن بحاجة إلى حكومة "ستالينية" أو "هتلرية"، والشعب المصرى "العظيم بالمناسبة" لا ينشد دولة قانون، وإنما ينشد أمنًا وأمانًا، وعلى دعاة حقوق الإنسان، حزم حقائب الرحيل، إلى جهنم وبئس المصير.
خطاب يكاد يكون واحدًا، فيه من عاصم عبد الماجد وحشيته وفظاظته وغلظة قلبه، وفيه من خطاب التكفير جموحه وحماقته، وفيه ذات النبرة العدائية، والرغبة الدموية، فى غرس السكاكين، فى صدر ونحر وخاصرة، كل من يختلف حول أصل أو فرع، فإما الإذعان كالخراف للراعى، أو الويل والثبور وعظائم الأمور.
إنه عاصم عبد الماجد منهجًا ومنطقًا، فالإقصاء الذى كان "يتسوّك" ويرتدى الجلباب القصير والنعال، أصبح يتعطر بعطور باريسية، ويلبس "التوكسيدو" و"رابطات العنق الإيطالية"، وليس الإقصاء وحده، هو الذى عاد متنكرًا، فاللافت أن القمعيين الجدد، هم من سدنة المخلوع الأول، ولاعقى أحذية نظامه القمعى، مما يوحى فيما يوحى، بأن ثمة هجمة مرتدة يراد شنها، أو بالأحرى تشن فعليًا، على الثورة من قبل الذين أسقطتهم، ومرغت أنوفهم فى التراب.
واللافت كذلك أن هذا الخطاب الفاشى، صار يلقى لدى قطاع كبير من الناس استحسانًا، حتى أن بعضًا منهم، لا يجدون بأسًا فى تعرية ظهورهم، ترحيبًا بالسياط إذا تهوى عليها، ما يجعلنا بصدد "ماسوشية" تنتشر وبائيًا، فى مجتمع يتلذذ أفراده، فيما يبدو بتعذيب الذات وإيلام النفس.
سيقال على سبيل التبرير: إن الدماء التى تراق مجانًا، فى مقامرة حمقاء، قد أخرجت أسوأ ما فى النفوس، وسيتردد كلام- لا يفتقر إلى المنطقية- بأن عامًا من حكم الإخوان، قد حدا بالشعب إلى أن يتشبث بأية قشة للخلاص، لكن متى نفعت قشة غريقًا؟ ومتى أسس قمع وطنًا؟
المرفأ المنشود، ليس ممكنًا بلوغه، إلا على متن مركب واحد، يحظى فيه الركاب جميعهم بالحقوق متساوية، فى عيش وحرية وعدالة وكرامة إنسانية، وهو ما لم يتأتَ إلا بأن ينظر كل فى نفسه، عسى أن يرى "عبد الماجد" فيستأصله فيتطهر من "الدنس"!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة