وضع الكولومبى ماركيز مهنة الصحافة فى مقام الرواية والسينما، واعتبر التحقيق الصحفى أفضل شىء فى الحياة، وشبه الحوار الصحفى بمزهرية الجدة التى تساوى ثروة طائلة، ولكن لا أحد يعرف أين يضعها، صاحب نوبل ومائة عام من العزلة عمل طوال عمره فى الصحافة، وقبل أن يبعده الزهايمر منذ عامين، كان حزينا على المهنة، لأن الصحفيين لم يعد باستطاعتهم الكتابة «كل ما يفعلونه هو الاستشهاد بالآخرين»، ولأنهم لا يدركون أن الواقع ليس ما حدث بالفعل «ولكنه كل ما يصلح للحكى»، أتذكر هذا وأنا أقلب الصحف يوميا، الصحف التى تتفق على موضوع واحد تخرج به على الناس كل صباح، صرح فلان أو أعلن أو رفض أو انتوى أو التقى، لم تعد مهنة التدريب على الاستجابة (كما كان ينظر إليها هيمنجواى)، ولكنها تحولت مع الوقت إلى رقصة بدائية حول جثة الحدث، وباتت الكتابة بعيدا عن هذه الجثة عزلة للكاتب والقارئ معا، تشعر أن مؤامرة تحاك ضد ذاكرتك، وأنت تتأمل تحولات زملائك بالحماس نفسه، وتتوقف أمام «احلم وارفع سقف طموحاتك فوق قدراتك، ولا تزعج نفسك بالمنافسة مع معاصريك أو أسلافك، حاول أن تكون أفضل من نفسك»، هكذا يتحدث وليم فوكنر صاحب نوبل والصخب والعنف فى حوار نشرته أمس أخبار الأدب، أجرى معه منتصف الخمسينيات، هو يرى أن الكاتب يحتاج إلى ثلاثة أشياء لكى يكون كاتبا: الخبرة والرصد والخيال، أو أى اثنين منها، وفى بعض الأحيان إلى واحدة، فوكنر الذى عمل فى مهن كثيرة، لم يعمل من أجل المال لأنه لم يكن فى حاجة شديدة له، ويقول إنه ليس رجل أدب، هو كاتب فقط، وأنه لا يجنى أى سعادة من متجر الكلام.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود نجيب
لقد أصبت كبد الحقيقة