رغم رفضى وملاحظاتى على بعض مواده فإننى سأقول نعم للدستور الجديد، لثلاثة أسباب: الأول أنه أفضل كثيرا من دستور الإخوان، والثانى أنه يؤسس لتحول ديمقراطى واستقرار سياسى، والثالث أن الدستور أحال كثيرا من الأمور التفصيليلة للقانون، الذى يمكن النضال من أجل أن تأتى القوانين المفسرة والمكملة أكثر ديمقراطية وانتصارا للحريات.
أعتقد أنه من الصعب المقارنة بين الدستور الجديد ودستور الإخوان، نظرا لاختلاف الرؤية والمسلمات والسياق الاجتماعى والسياسى بين الدستورين، رغم بعض التشابه بينهما، فالدستور الجديد أكثر تسامحا إزاء حرية الإبداع والرأى والتعبير، فلم يقيدها بمقتضيات الأمن القومى، والدين والأخلاق والآداب والنظام العام والمستوى الرفيع للتربية، والقيم الدينية، والأخلاقية، والوطنية والتقاليد أو الأخلاق أو قيم المجتمع أو الأخلاق العامة، كما كان الحال عليه فى دستور الإخوان.
استحدث الدستور الجديد مادة 48 التى تنص- وربما لأول مرة فى الدساتير المصرية- على أن الثقافة حق لكل مواطن تكفله الدولة وتلتزم بدعمه، لكن مع ذلك لم يخل الدستور الجديد من قيود على حرية الرأى والتعبير، وأهم تلك القيود أنه قيد حرية الإبداع الأدبى والفنى والصحافة والإعلام بارتكاب جرائم تتعلق بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد، وهى مفاهيم غامضة ومطاطة، فهل الدعوة مثلا للتمييز الإيجابى لصالح المعاقين أو المرأة أو العمال والفلاحين تعرض صاحبها للوقوع فى ارتكاب هذه الجريمة؟، ثم ألا يمكن الخلط بين النقد والطعن فى الأعراض؟ هكذا لم ينجح الدستور الجديد فى إحداث قطيعة مع ما سبقه من دساتير، وبحيث يتفق أكثر مع المواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بحرية الرأى والتعبير والصحافة والإعلام.
وبالنسبة لتنظيم الصحافة والإعلام العام والخاص، خصص الدستور ثلاث مواد نصت على استحداث، وتفعيل آليات ضمان حرية الإعلام، واحترام أخلاقياته ومنع الاحتكار، وقواعد الإفصاح والشفافية المالية والإدارية وضمان حقوق الإعلاميين والمواطنين، حيث نصت المادة 211 على إنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام كهيئة مستقلة، تختص بتنظيم شؤون الإعلام المسموع والمرئى، والصحافة المطبوعة والرقمية، وضمان حماية حرية الصحافة والإعلام، ونصت على وضع معايير لضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها ومقتضيات الأمن القومى، ولا شك أن الأمن القومى من المفاهيم الغامضة التى تسمح بتأويلات متناقضة، كما توجد له نصوص وتفسيرات متعددة فى القانون، وخصص الدستور الجديد مادتى 212، 213، لتنظيم الصحافة والإذاعة والتليفزيون المملوكة للدولة، وهنا يمكن إبداء ملاحظتين:
الأولى: لم ينص على قواعد تشكيل المجلس الأعلى للإعلام وهيئة الصحافة وهيئة الأعلام، ونظام عملها، وإنما تركها للقانون، ما قد يسمح لحزب الأغلبية - خاصة فى دول التحول الديمقراطى كمصر - باختيارهم وتحديد سلطاتهم، بما يكرس هيمنته على الإعلام والحياة السياسية، كما لم ينص الدستور على تمثيل أصحاب المصلحة، خاصة العاملين فى الإعلام، ولم ينص على عدم قابلية أعضاء المجلس والهيئتين للعزل بما قد يقلص من استقلاليتهم.
الثانية: لم يكن هناك حاجة لتشكيل ثلاث هيئات للإشراف على الإعلام وتنظيمه وضمان حريته واستقلاله، وكان من الأجدى ضغطا للإنفاق، وتجنبا لتداخل السلطات والصلاحيات وتضاربها الاكتفاء بمجلس واحد فقط للإعلام، يحدد الدستور قواعد وطريقة تشكيله، مع إنشاء لجان نوعية من بين أعضائه للإشراف على وسائل الإعلام المختلفة من صحافة أو إذاعة أو تليفزيون أو إعلام جديد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة